اعتبرت صحيفة «فايننشال تايمز» طرح شركة أرامكو للاكتتاب العام، حدثا اقتصاديا لا يقارن، موضحة أن «هذا ليس طرحا عاديا، ومختلف عن كل الطروحات الأخرى من حيث الحجم، ولا يوجد طرح آخر قابل للمقارنة». ونقلت الصحيفة ما جاء في النسخة الأولى من ورشة العمل السنوية الثانية بعنوان «دول الخليج في عالم النفط الجديد»، والتي عقدت في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، أن طرح الشركة سيحدد شكل تسارع التغيرات الاقتصادية في المملكة، وطبيعة إعادة الهيكلة وإجراءاتها، وفوق كل ذلك نجاح رؤية 2030 في تحقيق الهدف المنشود. لا يمكن للطرح عزل النفط عن إعادة الهيكلة الحالية ينبغي تقييم مزايا الطرح كمصدر لتمويل رؤية 2030 ارتقاء صندوق الاستثمارات العامة إلى مستوى التحدي
خلال الأشهر القليلة الماضية، كان هناك الكثير من المقالات حول طرح شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام، منها ما نشر مؤخرًا في صحيفة فايننشال تايمز «هذا ليس طرحاً عادياً، وهو مختلف عن كل الطروحات الأخرى من حيث الحجم، وطبيعة الطرح، والجدول الزمني، ومنهج عمله، لا يوجد طرح آخر قابل للمقارنة». ويمكن للمرء أيضا أن يضيف إلى هذه القائمة، على عكس أي طرح آخر للاكتتاب أن البيع الجزئي لشركة أرامكو يتداخل بشكل كبير مع تطورات الاقتصاد المحلي، وأن كلا منهما لا ينبغي أن يعامل بمعزل عن الآخر، حيث سيكون لإعادة هيكلة الاقتصاد والإجراءات المصاحبة آثار تأتي مباشرة على تقييم الشركة، والجدول الزمني، وعملية الطرح. وفي الوقت ذاته، سيحدد طرح الشركة من تسارع التغيرات الاقتصادية للمملكة، وطبيعة إعادة الهيكلة وإجراءاتها، وفوق كل ذلك نجاح رؤية 2030 في تحقيق الهدف المنشود المتمثل في التنويع الاقتصادي، وتوفير فرص عمل لآلاف الشباب السعوديين الذين يدخلون سوق العمل كل عام. جاء ذلك في النسخة الأولى من ورشة العمل السنوية الثانية «دول الخليج في عالم النفط الجديد»، نظمها معهد اكسفورد لدراسات الطاقة، بمشاركة الخبراء، بسّام فتّوح، وعلي عيساوي، وجاكومو ليوشاني، وستيفن هيرت وج.
تعليقات الكتاب إن الاهتمام الواسع لوسائل الإعلام بطرح شركة أرامكو السعودية ل 5 % من قيمة الشركة للاكتتاب العام، وإن لم يكن مفاجئا، أدى إلى تعليقات الكثير من الكتاب على العديد من القضايا المهمة. على سبيل المثال، كان هناك الكثير من الشكوك حول تقييم الشركة بنحو 2 تريليون دولار( 7.5 تريليونات ريال)، وهي القيمة التي صرح بها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، كما ذكر مقال نشر في وكالة بلومبرج أن «تقدير القيمة السوقية لأرامكو قد يواجه صعوبات، كونها تعادل ضعفي القيمة السوقية لشركة أبل وشركة جوجل وفقاً للتصنيف العالمي لأكبر الشركات». كما أن حجم احتياطيات الشركة الهيدروكربونية «يمكن أن يكون جزءاً هاماً من أي تقييم»، ويمكن أيضاً أن يكون عقبة لعملية الطرح، حيث ستجبر أرامكو وفقاً لقواعد الإدراج على التقيد بنشر معلومات حجم احتياطياتها، والطريقة المستخدمة في حسابها للجمهور، وبالتالي تخضع للفحص الدقيق. كما ستؤثر التغيرات المحتملة لنموذج أعمال الشركة والحكومة على التقييم. وقد ناقش بعض الكتاب تأثير طرح أرامكو على سياسة إنتاج النفط السعودي. ففي حين أن المملكة –تاريخياً - قامت بدور محوري داخل أوبك، مستخدمة قدرتها الإنتاجية الفائضة بفاعلية، يرى البعض أنه بمجرد إدراج شركة أرامكو في البورصات الأجنبية، فإنه لا يمكنها الدخول في أنشطة تؤثر على أسعار النفط العالمية.
حوكمة الشركات
تغيير آخر محتمل لنموذج عمل شركة أرامكو، يتطلب أن تتخلص الشركة من الأنشطة غير الأساسية لها، ويصعب تقدير تأثيرها حاليا، وفصل شؤونها المالية عن الحكومة. آخذة في الاعتبار، استمرار الحكومة في اتخاذ «القرارت المتعلقة بالإنتاج والقدرة الإنتاجية»، فبعض القضايا الأكثر شيوعاً في مجال حوكمة الشركات بعد الطرح والمتعلقة بحماية مصالح المساهمين ذوي الأسهم القليلة ستكون مساراً للبحث. فعلى الرغم من أن هؤلاء المساهمين ليس لديهم ما يكفي من القوة لإملاء الشروط، إلا أنهم قد يمثلون تحديات قانونية تجاه بعض المواضيع مثل «دور شركة أرامكو في منظمة أوبك»، أو «إعاقة التجارة في الولاياتالمتحدة». وأيضاً حجم الطرح، يعني أن شركة السوق المالية السعودية (تداول)، لا تستطيع وحدها استضافة طرح شركة أرامكو السعودية، لذا تم اقتراح أسواق مالية مثل نيويورك وطوكيو ولندن وتورنتو وسنغافورة وهونج كونج كأماكن محتملة لاستضافة الطرح. إن الطرح في بورصات كبورصة نيويورك (نايمكس)، سيكون جاذباً لتوفر سيولة كبيرة وإطاراً تنظيمياً متقدماً، ولكن هذه الفوائد تأتي مع تدقيق كبير وإفصاح مكثف، بالإضافة إلى أن شركة أرامكو يجب أن تخضع بالكامل لمجموعة من قوانين الأوراق المالية الأميركية المطبقة على الشركات الأجنبية.
الأسواق العالمية تطورت أيضاً الدوافع الرئيسية خلف الطرح العام لأرامكو. ففي مراحل مبكرة ركّز هدف طرح الشركة «لعرض أرامكو وجعلها جزءاً من الأسواق العالمية، وكشف قدرات الشركة، والسماح لها بالتوسع العالمي أولا وإزالة مفهوم أن أرامكو السعودية ليست شفافة». وهذا الهدف مشابه لأهداف الإدراج الدولي للشركات المملوكة للحكومات والشركات الأخرى. وبالرغم من أهمية هذا الهدف بالنسبة لأرامكو،إلا أنه يُعد هدفاً ثانوياً مقارنة بهدف الحكومة الأكبر للتحول الوطني في ظل دور تنموي، وذلك باستخدام الطرح العام لأرامكو لزيادة حجم صندوق الاستثمارات العامة وتحويل المملكة العربية السعودية إلى قوة مالية، واعتبار ذلك الأساس لتحقيق رؤية 2030.
قواعد الطرح ففي حين تقدم المقالات المنشورة مؤخراً منظوراً جديداً حول القواعد المرتبطة بالطرح العام لأرامكو، فإن هناك قضايا جوهرية ولذا فإن هذه الورقة المختصرة ستتناول تلك القضايا كالتالي: * أولا: تؤكد الورقة على أن الطرح العام للشركة لا يمكن عزله عن إعادة الهيكلة الحالية التي تشهدها المملكة، وأن وتيرة إعادة الهيكلة ستكون الأساس في تقييم شركة أرامكو. في الوقت ذاته؛ سيحدد طرح الشركة وتيرة إعادة الهيكلة ونجاحها. لذلك فإن الرهان على أرامكو هو رهان على نجاح المملكة، خلال مرحلة انخفاض أسعار النفط، وعدم اليقين بشأن الطلب على النفط على المدى الطويل، في قيامها بإعادة هيكلة اقتصادها وتنوع قاعدتها الاقتصادية. * ثانياً: تطرح الورقة السؤال حول الدافع الرئيسي خلف طرح الشركة، والإجابة عن هذا السؤال غالباً ما تعتبر أمراً بديهياً وهو «تحويل المملكة من الاعتماد على النفط من خلال رؤية 2030، التي تهدف إلى تنويع قاعدة الاقتصاد السعودي وإيجاد فرص عمل». لكن كما سيتم شرحه لاحقاً، يُعد طرح شركة أرامكو في الأساس لأجل تنويع مصادر الدخل وتعزيز موارد صندوق الاستثمارات العامة، وهذا يختلف جوهرياً عن التنويع «الحقيقي» للاقتصاد، الذي غالباً ما يتطلب توسيع القاعدة الاقتصادية أو الإنتاجية وإيجاد فرص عمل. وكما أظهرت تجارب الدول المجاورة، فإن صناديق الثروة السيادية تسعى إلى تنويع أصولها المالية من خلال الاستثمار في الأسواق الخارجية، وليس إلى تنويع الاقتصاد المحلي وإيجاد قطاعات اقتصادية توفر فرص عمل. التوقعات المالية في حين أن حجم الاحتياطيات قد جذب اهتمام غالبية وسائل الإعلام، فإن التقييم لن يعتمد على قيمة تلك الاحتياطيات. فحسب تصريح الرئيس التنفيذي لشركة توتال مؤخراً، فإن تقييم شركات النفط لا يعتمد على حجم احتياطياتها. بل يجب أن تُقيّم الشركة على أساس نماذج تأخذ بعين الاعتبار خصم التدفقات النقدية المستقبلية، والتي تعتمد بدورها في المقام الأول على الربح للبرميل وكمية النفط المنتج. ويتأثر ربح البرميل بدرجة كبيرة بمستوى الضرائب والريع التي تفرضها الحكومة على شركة أرامكو، فكلما ارتفعت الضرائب والريع، انخفض التقييم، والعكس صحيح. بناءً على النظام السابق للريع 20 % والضرائب 85% أظهرت العديد من المصادر أن التقييم سيكون أقل بكثير من 2 تريليون دولار ( 7.5 تريليونات ريال)، التي صرح بها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. على سبيل المثال، عند الأخذ بعين الاعتبار سعر 70 دولاراً للبرميل، وإنتاج 10 ملايين برميل في اليوم، وتكلفة إنتاج 8 دولارات للبرميل، وريع 20 %، ومعدل ضريبة 85 %، وفترة إنتاج 70 عاماً، قام (بوسيلجو Boslego 2017) بتقدير القيمة الصافية الحالية للشركة بنحو 251 مليار دولار ( 941.2 مليار ريال) بمعدل خصم 10 %. ولتحقيق قيمة أعلى، فإن الحكومة خفّضت مؤخراً معدل الضريبة إلى 50 %، ووفقاً لبوسيلجو ( Boslego ) فإن صافي القيمة الحالية لن يتجاوز 419 مليار دولار (1.571 تريليون ريال). معدل الضريبة بما أن التقييم سيعتمد على معدل الضريبة المتوقع تطبيقه على الإنتاج في المستقبل، حيث إن انخفاض معدل الضريبة إلى 50 % الصادر مؤخراً، سيفرض عبئاً إضافياً على المالية العامة، والتي تأثرت بانخفاض أسعار النفط العالمية، إلا أنّ الضرائب والريع التي تدفعها أرامكو ليست المساهمة الوحيدة للمالية العامة للدولة. وإذا كان «خفض الضريبة التي تدفعها أرامكو إلى الحكومة لن يضر بمالية الدولة، كما ذكر وزير المالية السعودي محمد الجدعان، فيعتمد ذلك على إمكانية توجيه الأموال الناتجة عن البيع الجزئي لأرامكو نحو استثمارات تحقق أرباحاً كافية لتعويض الخسارة في الإيرادات بسبب انخفاض الضرائب.
صناعات كثيفة
كان الدافع الرئيسي وراء الطرح العام هو رغبة قوية في التنويع بعيداً عن النفط، حيث يعتمد الاقتصاد السعودي، بما في ذلك القطاع الخاص غير النفطي، بشكل كبير على الإنفاق الحكومي الذي يستند على عائدات النفط، فكما ارتكزت إستراتيجية المملكة الصناعية -حتى الآن- على بناء صناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، وتوسيع سلسلة القيمة من خلال تطوير قطاع التكرير والبتروكيماويات والمجمعات الصناعية، إلا أن القيادة الجديدة قد تكون أقل اقتناعا بأن قطاع الطاقة سيؤدي دوراً رئيسيا في التنويع، وكجسر للانتعاش الاقتصادي. ويزعم البعض بوجود اعتقاد بين صناع السياسة السعوديين الجدد، أن النفط تحت الأرض هو أصل متهالك إدراكاً منهم بأن الطلب من المرجح أن يتوقف قبل توقف الإنتاج، ومن المنطقي الاستفادة من احتياطياتهم قبل الآخرين. ويعني هذا التصور أن النفط هو أحد الأصول، الذي ينبغي استثماره، ربما بوتيرة أسرع.
تعزيز الشفافية بصرف النظر عن موضوع التقييم، فإن الدافع خلف بيع جزء من أرامكو، حيث عُزي أحد الأسباب إلى تعزيز الشفافية، وترسيخ المساءلة لحوكمة أرامكو، أو أنظمة الإفصاح المالية ووضع الشركة أمام المزيد من التدقيق من الأسواق المالية. ففي مقابلة مع مجلة الإيكونوميست، صرح ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، بأن الطرح العام لأرامكو السعودية «يأتي لصالح المزيد من الشفافية، ومكافحة الفساد، إن وجد، التي قد تدور حول أرامكو». وهناك معيار آخر مهم، هو ما إذا كانت استثمارات صندوق الاستثمارات العامة يمكن أن تحقق عوائد اجتماعية أفضل من خلال الإسراع في تنويع الاقتصاد؛ الوقت كفيل بإثبات ذلك. فعلى سبيل المثال، استثمر صندوق الاستثمارات العامة مؤخراً 3.5 مليارات دولار في تطبيق حجز المركبات أوبر. قضايا أساسية •يرتبط الطرح العام لأرامكو ببقية برامج التحول وإعادة الهيكلة التي تحدث في الاقتصاد، ويجب ألا يتم التعامل مع الأمرين بشكل منفصل. •توجد مقايضة بين خطة الحكومة للتقليل من أسعار الضرائب والريع الذي تدفعه أرامكو من جهة، وقيمة الشركة من جهة أخرى. وإن المستثمرين، مع إدراكهم بعدم استدامة انخفاض سعر الضريبة، سيقللون من تقييم الأسهم بتطبيق معدل خصم أعلى على قيمة التدفقات النقدية.
•ينبغي تقييم مزايا الطرح العام لأرامكو كمصدر لتمويل رؤية 2030، تقييماً موضوعياً مقارنة بالبدائل الأخرى، كطرح صكوك الدين في الأسواق الدولية، أو بيع جزء من الامتياز مباشرة إلى شركات النفط الدولية والمستثمرين الآخرين. • لا يتوقف قياس نجاح الطرح العام لأرامكو على حجم متحصلات بيع جزء من الشركة فحسب، وإنما يتجاوزه إلى منهجية استثماره. إذ يتطلب ارتقاء صندوق الاستثمارات العامة إلى مستوى التحدي، وجعله مسؤولاً، باعتماد إستراتيجية استثمارية أكثر تطوراً وذات عوائد استثمارية عالية، ووضع معايير أداء مناسبة يمكن قياسها، وزيادة شفافيته، وهيكل حوكمته. •سيواصل قطاع الطاقة القيام بدور رئيسي في مستقبل البلاد في المنظور القريب، ولذلك يلزم إعادة النظر بجدية في دور قطاع الطاقة في جهود التنويع الراهنة. • يجب على المختصين ألا ينسوا أن الهدف الرئيسي من الطرح هو المساعدة في تسريع تنويع الاقتصاد اللازم لاستحداث الوظائف التي تشتد الحاجة إليها. وإن التعامل مع الطرح كأداة للتنويع المالي.