في وقت ما مضى وفي حقبة دراسية سابقة كنا نعود إلى منازلنا بعد عناء يوم دراسي طويل وشاق وأيدينا تلتهب كالجمر بسبب عصا أحد معلمي المواد العلمية آنذاك، وكانت علامات ضرب هذه العصا لا تكاد تختفي حتى اليوم التالي! وذلك من شدة و«حماس» المعلم في فرض جلده والشرر يتطاير من عينيه.. هي حالات «تربوية» غريبة حتى إنني أخالها لم تكن معتمدة في العصر الجاهلي وما قبل الإسلام دين الرحمة واللين.. لا دين الغلظة والقسوة في التعليم! فكنا نبكي من داخلنا قهرا أن نُجلد بهذا الشكل وقد بدت «الشوارب» في طور الظهور على وجوهنا، بل إن بعضنا كان مسؤولا عن بيت يأويه هو وأمه وإخوته.. أحد «الظرفاء» كان لا يتوانى عن التفاخر بهذه الحقبة الدراسية الآنفة، كان يفتخر أنه يُجلد، بداعي أن جلد المعلم له وضربه واستخدام العصا على ظهره قد جعله رجلا يستطيع مجابهة الحياة وخوض غمارها بثبات الرّجال! ولا أدري كيف يتباهى شخص ما بأنه كان يتم جلده وضربه، وما الأسباب أصلا؟ كان قد نسي إجابة سؤال شارد من أسئلة «التلقين» المفاجئة، فانهمر المعلم بعصاه ليمارس طريقة الجلد باعتبارها عقوبة عدم الإجابة! في الطرف المقابل، تجد ظاهرة من نوع آخر وغريبة على جنس يُفترض بأنه ناعم! لكن الحال ليس كذلك أبدا في مدارس التعليم العام للبنات، بل مما قرأته وسمعته ما يثير دهشتي وما يندى له الجبين! هناك «ركل» وجلد وتسحيب للشعر و«فرك» رموش بحثا عن قطرة كحل! و«دعك» خدود لضمان عدم وجود لون من ألوان المكياج! هذا لا يحصل في معتقلات من دول العالم، بل هو في المدرسة التي قد تكون مجاورة لبيتك! وقد تدرس فيها ابنتك، ولك أن تتخيل عزيزي الأب أن تودع ابنك الصغير من عتبة باب منزلك فيعود إليك إما مقطوع الأذن أو مكسور الأنف أو مجروح الخد!.. ما الذي يجري في أروقة مدارس التعليم؟! هل هنالك حزام «أسود» يُمنح للمعلمين والمعلمات قبل ممارسة المهنة؟! فكل هذه الحالات -وقتال الكاراتيه- آنف الذكر لا يمت بأي صلة إلى تربية قبل أن يكون ذا ارتباط بالتعليم، فهل هو «تنفيس» وتفريغ كبت من قبل البعض تجاه الطلاب أو الطالبات؟ فالأمر لا يعني مجرد إيذاء جسدي وينتهي الأمر، بل إنه يصل إلى مستويات نفسية ومرضية قد تحدث شرخا كبيرا بين الطالب والمجتمع ككل! فالحيوانات لا تكاد تؤذى بهذا التصرف «الناقم» والحاقد في صورة غير مُشرّفة لنهضة التعليم السامية.. فنحن أمامنا على المدى البعيد -وربما القريب- رؤية باهرة وواعدة بمستقبل كبير لهذا الجيل، فكيف نريده جيلا مبدعا ومنتجا، فيما هم يعودون إلى منازلهم كما لو أنهم عائدون من «غزوة» لا تُرفع فيها سوى راية الجهل والتخلف!