كشفت نتائج دراسات أثرية حديثة عن أن الجزيرة العربية كانت تحوي 15 بحيرة كبيرة قبل 7000 سنة تعيش حولها مجموعات بشرية وحيوانات مختلفة. ووثّقت نتائج أبحاث علمية واكتشافات أثرية أجراها علماء ومختصون في مجال الآثار، للاستيطان البشري والهجرات نحو الجزيرة العربية والاستقرار بها، بفترة ما قبل التاريخ، حيث كشفت أبحاثهم أن هذه المنطقة كانت مأهولة ونابضة بالحياة البشرية والحيوانية، مؤكدين أن هذه البقعة كانت حافلة بالأنهار التي تجري على أرضها والبحيرات والمساحات الخضراء التي جعلت منها مقرا وملتقى للحضارات عبر الحقب المختلفة. جاء ذلك في المحاضرة التي نظمها قطاع الآثار والمتاحف بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني الخميس 19/ 1/ 2017 في المتحف الوطني بالرياض، وقدمها كل من عبدالعزيز العمري، رئيس الفريق السعودي، والدكتور مايكل بيتراقاليا، رئيس الفريق الدولي، أستاذ الآثار الذي يعمل حاليا في معهد ماكس بلانك للعلوم في تاريخ الإنسان بألمانيا. اكتشافات متنوعة أوضح عبدالعزيز العمري في المحاضرة التي جاءت بعنوان: "الجزيرة الخضراء"، أن ما كشفت عنه الدراسة من استيطان بشري وتواجد مجموعات حيوانية مختلفة شكل ملامح علاقة وطيدة بين الكائنات الحية والبيئة التي تعيش فيها منذ أمد بعيد، لافتا إلى أن المعثورات شملت عددا من الأدوات الحجرية المتنوعة، وأحافير لمختلف الحيوانات وجدت حول شواطئ البحيرات وضفاف الأنهار، مشيرا إلى أن بعض هذه المعثورات وجد على السطح، وبعضها تم العثور عليه أثناء الحفريات التي قام بها الفريق، وقال إن الرسوم الصخرية التي عثر عليها في منطقة جبة سلطت الضوء على جانب كبير من مسيرة إنسان هذه المنطقة وتطور مفاهيمه الثقافية وأساليبه في التكيف مع محيطه البيئي والتعايش معه. مشيرا إلى أن الرسوم أكدت أن الحقبة الأخيرة من تاريخ الاستيطان البشري في بحيرة جبة وشويمس كانت تشكل آخر الفترات المطيرة، كما تدل الرسومات على أن هناك مجموعات بشرية عاشت على ضفافها قبل أن تجف هذه البحيرات قبل حوالي (7) آلاف سنة من وقتنا الحالي. تحاليل مخبرية كشف العمري أن بحيرة تل الغضاة (جنوب شرقي تيماء بمنطقة تبوك) التي تم العثور عليها كانت مأهولة بالبشر قبل (500) ألف سنة، ثم ضربها الجفاف والتصحر قبل (335) ألف سنة من الوقت الحاضر، وقال إن الحفريات في هذه البحيرة أسفرت عن تواجد عدد كبير من الحيوانات شملت (الأفيال والغزلان بأنواعها والمها العربية، والأبقار والجمال والجواميس والنمور والضباع والثعالب والخيل وأفراس النهر والتماسيح وبعض الطيور وغيرها من الحيوانات المختلفة)، لافتا إلى سلسلة من التقنيات الحديثة التي استخدمت في هذه الدراسة التي ساعدت الفريق في رسم الخرط والتصوير وتوثيق المواقع والمعثورات، وقال إن جميع المعثورات المكتشفة خضعت إلى تحاليل مخبرية دقيقة بمشاركة باحثين من (10) دول مختصين في جميع العلوم ذات العلاقة بمجال الدراسة والاكتشافات الأثرية. آثار مدهشة لفت الدكتور بيتراقليا في حديثه إلى أن الجزيرة العربية كانت خضراء حقا حسب البحوث والاكتشافات الأثرية، مضيفا أنها ستعود خضراء مرة أخرى نظرا للتغيرات المناخية والتنبؤات بذلك، مضيفا أن الجزيرة العربية ممثلة في المملكة العربية السعودية، كانت وعبر حقب تاريخية بعيدة مركزا ومقرا للهجرات البشرية من إفريقيا وآسيا، وقال: عملنا في (7) مناطق في السعودية ووجدنا أن كل منطقة تزودنا بمعلومات تؤكد أن هذه الأرض كانت خضراء ومأهولة قبل (500) ألف عام، لافتا إلى طرق البحث والاكتشافات الأثرية التي اتبعها الفريق، في حصر المعلومات وتحديد المواقع الأثرية وكيفية العمل بها، وطرق معالجة المعثورات وتوثيقها وتحليل البيانات والمضامين، مضيفا، تمكن الفريق من حصر (15) بحيرة و(10) آلاف نوع من الأطعمة وعدد من الأنشطة البشرية التي كانت سائدة عندما كانت هذه المنطقة خضراء نابضة بالحياة، موضحا، أنه تم اكتشاف سلسلة من المواقع والآثار المدهشة في المملكة، ومن ذلك موقع الوسطى الواقع في صحراء النفود شرق تيماء، لافتا إلى أن هذا الموقع عبارة عن بحيرة توجد بها أحافير وشواطئ ظاهرة، وأوضح أن هذا العام شهد اكتشافا جديدا يتمثل في آثار أقدام حيوانات في طبقة الطمي الخاص بهذه البحيرة، وغير ذلك من آثار الغزلان والجمال والأفيال، والمها العربية، وآثار كثيرة لعظام حيوانات مختلفة.