دشنت 10 بعثات سعودية دولية مشتركة تمثل جامعات عريقة، موسم الأعمال الميدانية للمسح والتنقيب الأثري لهذا العام من أصل 32 بعثة بإشراف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ممثلة في قطاع الآثار والمتاحف، واستأنفت البعثات أعمال المسح والتنقيب الأثري في عدد من المواقع الأثرية بمختلف مناطق المملكة، منها 4 بعثات من المعهد الوطني الفرنسي للبحث العلمي وأخرى هولندية وبولندية ونمساوية وبريطانية ويابانية، فضلاً عن عدد من البعثات التي يجري الإعداد لانطلاقها خلال هذا الموسم. وأظهر تقرير للهيئة اطلعت عليه "الوطن" أن مناطق المملكة شهدت في الفترة الأخيرة عددا من الكشوفات الأثرية المهمة، التي أظهرتها أعمال البحث والتنقيب ل30 بعثة وفريقا علميا متخصصا، تشرف عليها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، وتضم إلى جانب العلماء السعوديين، علماء متخصصين في آثار وعلوم الجزيرة العربية من عدة دول أجنبية. المرحلة الخضراء في مدينة "تيماء القديمة"، أشارت المكتشفات الأثرية إلى أن الحياة قد بدأت فيها منذ العصر الحجري الحديث، وفي العصر الذي يليه، والمعروف بالعصر البرونزي، ومن المكتشفات الأثرية، أوان فخارية مزخرفة، تمت دراستها من قبل علماء الآثار، الذين أشاروا إلى أنها تماثل ما عثر عليه في المواقع المؤابية والآدومية، التي تعود في تاريخها إلى أواخر العصر البرونزي وأوائل العصر الحديدي، الذي يمتد من 3300 إلى 1200 قبل الميلاد. كما تم اكتشاف السور الذي كان يحيط بالمدينة على امتداد 11 كيلو متراً، ويرجع تاريخه إلى 1200 سنة قبل الميلاد، وتضم هذه المدينة العريقة الكثير من آثار ما قبل التاريخ، وكانت تيماء في القرن السادس قبل الميلاد العاصمة التشغيلية للمملكة البابلية أثناء حكم الملك نابونيد، وتوجد فيها أيضاً قطع أثرية من العصر الإسلامي المبكر، ومن أهم المعالم الأثرية فيها قصر الحمراء، وبئر هداج، وقصر الرضم، وقصر البجيدي. على بعد 95 كلم جنوب شرق تيماء في الأطراف الغربية من صحراء النفود، عثر على أحفورة "ناب الفيل" ضمن مجموعة كبيرة من الأحافير لحيوانات عديدة، قد يزيد عمرها على 500 ألف سنة مضت، ويبلغ طول ناب الفيل الذي عُثر عليه (مترين و25 سم)، والأرجح أنه من فصيلة الأفيال الإفريقية، ووجوده في هذه المنطقة كان خلال الفترة المطيرة، التي تتزامن مع منتصف عصر البليستوسين، ووجود نوع من الثدييات كالفيل مثلا يدل على وفرة الغذاء، خصوصاً إذا كان هذا الحيوان يستهلك كمية من النباتات يتراوح وزنها بين 130 إلى 150 كلجم يومياً، بينما يحتاج إلى ما يقارب 350 لتر ماء يومياً، وقد عاشت هذه الحيوانات في ظل وجود مجموعات بشرية خلال الفترة التي كانت فيها أغلب المناطق الصحراوية خضراء، وهي ما نطلق عليها "مرحلة الجزيرة العربية الخضراء"، التي كشفت الدراسات عن أدلة على وجود مئات البحيرات، والأنهار، والغابات، وقد أطلقت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني مشروع (الجزيرة العربية الخضراء) عام 2012 بالتعاون مع جامعة أكسفورد وعدد من المؤسسات العلمية في المملكة وخارجها، كمبادرة لدراسة العلاقة بين التغييرات المناخية التي تعرضت لها شبه الجزيرة العربية على مر العصور. ثاج القديمة كان موقع مدينة ثاج القديمة، الذي يقع في شرق الجزيرة العربية غرب مدينة الجبيل، محطة مهمة على طريق القوافل، حيث كانت تلك القوافل تعبر هذه المدينة للتزوُّد بالماء والغذاء، ويحتوي الموقع على أطلال مدينة كاملة محاطة بأسوار، وقد كشفت نتائج التنقيبات الأولية بداخل جدران المدينة، عن وجود خمسة مستويات رئيسية من الاستيطان البشري يعود تاريخها إلى الفترة ما بين 500-300 سنة قبل الميلاد. 8 آلاف موقع بدأت أولى النشاطات الأثرية بأعمال مسح أثري ضيق الحدود في عام 1384/ 1964، بالتعاون مع بعثات أجنبية دنماركية وإنجليزية وأميركية، وفي سنة 1396 الموافق 1975، بدأ المسح الأثري في المملكة العربية السعودية ضمن خطط خمسية لعدة مواسم تنفذها فرق سعودية بالتعاون مع بعثات أجنبية، حيث تم حصر وتسجيل أكثر من (8000) موقع في جميع مناطق المملكة، تشمل كل المراحل والفترات الحضارية والتاريخية في الجزيرة العربية.