تجده مثقفا لكنه لا يتمتع بسلوك حسن، وتراه حسنا في مظهره، أنيقا في ملبسه، جميلا في هيئته، لكنه يفتقد أبسط مبادئ الثقافة والمعرفة، وعندما تسأل أحدا من هذه الطائفة عن أسباب الاهتمام بالمظهر وانصراف الكثيرين منهم عن القراءة والثقافة، يجيبك: إننا في عصر ثقافته الأناقة، ولغته المظهر الجميل، وعنوانه الشكل الخارجي الأنيق. إنها إجابات مركزة على الشكل والجمال والأناقة والمظهر، ونسي أو تناسى هؤلاء أن الوعي مهم، والثقافة ضرورة ملحة، والمعرفة مطلب رفيع المستوى، والثقافة والعلوم والوعي المعرفي لن تتأتى إلا من خلال القراءة والاطلاع ومتابعة كل جديد في ميادين الثقافة والمعرفة. القراءة الحرة سلوك جميل يرتفع من خلالها فكر الإنسان، وتتسع حصيلة عطائه للمجتمع في مجالات الثقافة والمعرفة، وليس هذا فحسب بل إن للقراءة دورا مهما في سلوكيات الإنسان وأخلاقه العالية، وصفاته الحميدة، وخصاله الحسنة، وللقراءة تأثير بالغ في حياة الإنسان وحسن علاقاته بالمجتمع ومعاملته مع الآخرين، لقد ظهرت علامات النجابة على سلوك الكثير من الناس وأخلاقهم، فأصبحوا في محادثاتهم مع جلسائهم والناس أجمعين يتحدثون بأسلوب مهذب ويختارون ألفاظا جميلة ومؤدبة، ويتمتعون بما يعرف باللباقة واللطف في الحديث، وذلك كله نتاج من نتائج القراءة التي أكسبته حسن الحديث مع الناس، ومنحته الخبرة والتجربة في الكثير من المعارف بمناحي الحياة. القراءة تطوف بالإنسان إلى مواطن كثيرة، وتنقله إلى عوالم فسيحة، وتعلمه كيف يطوع الكلمات ويصوغ العبارات، ويكتب القصص والمقالات، ويوجه سلوكه والآخرين نحو الآداب الرفيعة والسجايا العالية. كثيرون يقولون إنهم يقرؤون لكنهم لم يجدوا في أنفسهم نتاجا لتلك القراءة على النحو الذي وصفته لهم، وإني قائل لهم هذا كلام صحيح ومنطق واقعي للكثير من الحالات، إلا أن ما يجب أن نعرفه أن القراءة في كتب الأدب شعرا ونثرا وقصصا - وهي ذات لغة جميلة وصياغة أدبية جاذبة وخيال لغوي- تمنح الفكر عطاء جميلا في لغة متفردة، وتسكب في عقل المتلقي بلاغة تؤجج فيه أثرا وتأثرا لبيانها وروعة فصاحتها ولغتها الجميلة. أتمنى أن تكون الرسالة واضحة جلية، والمقصد قد تبين في صورته السليمة، وأن الهدف قد وضح في أذهان الجميع، لقد وجد الكثير من الأفراد عذوبة حسنة في قراءة فنون الأدب شعره ونثره، فراحوا يغوصون في أعماقها وينهلون من لغتها الجميلة، فوضح ذلك في سلوكهم وتصرفاتهم ولذلك سمي الأدب أدبا.