رغم قيادة حكومة الوفاق الليبية حملة شرسة لطرد مقاتلي تنظيم داعش من آخر معقل لهم، في مدينة سرت الساحلية، إلا أن هذه التحركات لم تجمع الفرقاء السياسيين والعسكريين تحت مظلة وطنية جامعة، بل ازداد المشهد الليبي تعقيدا وانقساما أكثر مما كان عليه. وخلال زخم الفوضى القائمة في ليبيا، لا تجد الدول المجاورة إلا التنديد والتحذير من خطورة الوضع وانعكاساته على أوضاعها الداخلية، خصوصا تونس التي واجهت عمليات إرهابية في حدودها الجنوبية، فضلا عن عدد من شبابها المقاتل في صفوف التنظيم. انهيار الدولة أكدت تقارير ميدانية أن الصراع الليبي حول كسب النفوذ والسيطرة على المنشآت النفطية باستخدام قوة السلاح، ما زال يهدد بوقوع انهيارات شاملة في مؤسسات الدولة، إضافة إلى أن ذلك يمكن أن ينسف كل الاتفاقيات الموقعة بين الأطراف الليبية في الصخيرات المغربية أواخر العام الماضي. وبحسب مراقبين فإن التطورات الميدانية الأخيرة التي حدثت بسيطرة القوات الموالية لحفتر على ما يعرف باسم الهلال النفطي، مرورا بسيطرة رئيس حكومة الإنقاذ، خليفة الغويل على قصور الضيافة وأغلب المؤسسات بطرابلس، وانتهاء بافتقار البلاد لجيش موحد، تدفع كل التطورات نحو إعادة الأمور السياسية والاتفاقيات المبرمة بين الأطراف المتعددة إلى نقطة الصفر من جديد، الأمر الذي يزيد من فرص حدوث حرب أهلية تمتد لعدة عقود، في ظل الأخطار الأمنية المنبعثة من المهاجرين نحو أوروبا، واستغلال الجماعات المتطرفة، على غرار داعش والقاعدة، لحالة الانهيار القائم في الدولة، وتنفيذ مخططاتها. دولة الحكومات الثلاث توجد في ليبيا حاليا ثلاث حكومات متصارعة فيما بينها على إدارة شؤون البلاد، ففي الغرب توجد حكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل، المنبثقة من المؤتمر الوطني العام، وحكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، وليدة اتفاق الصخيرات، والمدعومة من المجتمع الدولي. وفي الشرق الليبي توجد الحكومة المؤقتة برئاسة عبدالله الثني المنبثقة من مجلس النواب الواقع مؤقتا في مدينة طبرق، إضافة إلى سلطة خليفة حفتر في الشرق الليبي، التي اعتبرها مراقبون سلطة منعزلة لا تخضع لأي حكومة، وهو ما يعني عمليا وجود 4 حكومات في البلاد. وفيما استمرت الحكومتان برئاسة الغويل والثني في ممارسة أعمالهما دون الاهتمام بالاتفاقيات السياسية والعقوبات الغربية التي فرضت عليهما، بسبب تعطيل مخرجات اتفاق الصخيرات، واصلت حكومة السراج ملاحقة عناصر تنظيم داعش، من خلال إطلاق عملية "البنيان المرصوص" في مايو الماضي، لتعزيز وضعها الداخلي وصورتها الخارجية، بدليل دعم القوات الأميركية لعملياتها جويا واستهداف عناصر التنظيم في مقراتهم. وفي المقابل يرى محللون أن حفتر استغل انشغال حكومة الوفاق بحربها ضد داعش، وسيطر على منطقة الهلال النفطي، رغم الإدانات الدولية التي واجهتها هذه الخطوة.