تعاني ليبيا منذ الإطاحة بنظام القذافي، وضعا سياسيا وأمنيا متدهورا، بسبب تناحر العناصر المسلحة على الحكم. كما ألقت الاضطرابات السياسية بظلالها على الجانب الاقتصادي، حيث بلغ غلاء المعيشة مستويات قياسية، إلى جانب ضعف القدرة على الاستيراد وصعوبة تحصيل العملات الصعبة لشراء المواد الغذائية وغيرها من الخارج في بلد غني بالذهب الأسود. ورغم أن إعلان دخول حكومة الوفاق طرابلس، أنعش آمال شرائح واسعة من الليبيين، إلا أن جهات منها حكومة الإنقاذ المنبثقة من المؤتمر الوطني العام المتمركزة في العاصمة طرابلس، رفضتها ووصفتها بنتاج تدخل خارجي. وكان وصول حكومة السراج الأربعاء الماضي، صاحبه توتر عبر عمليات إطلاق نار متقطع من أسلحة ثقيلة وانتشار قوات أمنية تابعة لحكومة الوفاق الوطني وإغلاق عدد من الشوارع الرئيسية. وأعلن رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبي فايز السراج الأربعاء الماضي، مباشرة حكومته أعمالها من طرابلس رغم التهديدات المتتالية لمنعها من دخول ليبيا بدعوى أنها حكومة وصايا وأياد خفية. وعقد السراج لدى وصوله إلى القاعدة البحرية بطرابلس اجتماعا مع ضباطها دون الإفصاح عن تفاصيل تنقله، بيد أن مصادر محلية ذكرت أن معظم أعضاء المجلس الرئاسي الليبي وصلوا على متن فرقاطات إيطالية إلى ساحل العاصمة، موضحة أنه تم تأمين مقر الحكومة في طرابلس بشكل كامل استعدادا لوصول السراج. وترفض حكومة فجر ليبيا "طرابلس"، تسليم العاصمة إلى حكومة الوفاق المنبثقة من الاتفاق الليبي بالصخيرات في المغرب، على أمل إنهاء الانقسام السياسي والنزاع المسلح ومواجهة الجماعات الإرهابية التي أصبحت تتمدد في البلاد. ويخشى سكان طرابلس أن يسفر وصول حكومة الصخيرات عن مواجهات أمنية بين جماعات مؤيدة للسراج وأخرى تعارضه، مستعيدين أجواء المعارك الضارية التي شهدتها أحياء في العاصمة منذ أكثر من عام ونصف العام. رفض شعبي شكّلت حكومة الصخيرات لرأب الانقسامات وإنهاء الفوضي السياسية والأمنية في ليبيا للتخلص من وجود حكومتين وبرلمانين متوازيين، وهو ما كان سائدا منذ 2014، لكن الحكومة الموازية في طرابلس وبعض الفصائل المسلحة بالمدينة تعارض الوفاق الوطني. وحمل رئيس حكومة الإنقاذ "حكومة طرابلس" خليفة الغويل، مجموعة مجلس الرئاسة التي وصلت إلى العاصمة، المسؤولية القانونية والأخلاقية، معتبرا دخولها "تسللا غير شرعي" يعرض البلاد والعباد للخطر، حسب قوله. من جهته، اتهم السراج خصمه الغويل بترويع الآمنين وعرقلة مباشرة حكومة الوفاق مهامها، ووضع الحواجز والعوائق أمام مباشرتها مهامها، وإغلاق حركة الملاحة الجوية والتسبب في أزمات إنسانية للعديد من الليبيين العالقين في المطارات، من مرضى وجرحى وأطفال ومسنين، مؤكدا أن ذلك يعتبر تعديا واضحا على أبسط حقوق المواطن وخرقًا للاتفاقات والأعراف الدولية. وكان المجال الجوي لطرابلس، أُغلق يومي الأحد والاثنين، بضع ساعات، في خطوة قال المجلس الرئاسي للوفاق إنها استهدفت منع سفر الحكومة إلى ليبيا. تأييد دولي أيدت الولاياتالمتحدة على لسان وزير خارجيتها جون كيري، مباشرة الحكومة الشرعية أعمالها في طرابس، مؤكدة أن المجتمع الدولي كان يدعم عمل الشعب الليبي في هذا الاتجاه منذ نحو عامين. وأضاف كيري في بيان: "الآن يمكن لحكومة الوفاق الوطني أن تبدأ عملها الحيوي لمعالجة مجموعة كاملة من التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية، والإنسانية التي تواجه ليبيا"، مجددا دعوة بلاده إلى دعم حكومة الصخيرات. بدوره، أعرب رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينتسي، عن أمله بأن تتمكن حكومة الوفاق من مباشرة عملها بدعم شعبي واسع، داعيا المؤسسات الليبية إلى التعاون معها، من أجل تحقيق انتقال "سلس" للسلطة وتعزيز الأمن والاستقرار. وأما وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند، فوصف وصول السراج وأعضاء المجلس الرئاسي إلى طرابلس، بخطوة مهمة نحو إقامة حكومة فعالة لرأب الانقسامات في ليبيا وإحلال السلام والأمن هناك، معربا عن استعداد بلاده ل"الرد بشكل إيجابي" على طلبات دعم الحكومة ومساعدتها على استعادة الاستقرار، وإعادة بناء الاقتصاد ومحاربة الإرهاب والتصدّي للعصابات الإجرامية التي تهدد أمن الليبيين واستغلال المهاجرين غير الشرعيين. صعوبات داخلية تمكنت حكومة الوفاق من دخول العاصمة في خطوة أولى من بدء تطبيق الاتفاق السياسي نحو إنهاء الفراغ، لكن السراج يقف أمام العديد من الصعوبات التي خلفتها سنوات من الانهيار الشامل. وتأتي محاربة الإرهاب من أبرز التحديات التي تنتظر الحكومة، وذلك في وقت يتوسع تنظيم داعش في مناطق مختلفة من ليبيا أهمها سرت معقل الزعيم معمر القذافي وغيره، إلى جانب انتشار مسلحين يجمعهم التطرف مع الدواعش دون أن ينتسبوا إليه كتنظيم، مما يستدعي ضرورة توحيد جبهة القتال ضد الإرهاب وإيجاد مؤسسة عسكرية موحدة لقيادتها. ومن المتوقع أن تعمل حكومة السراج على توحيد مؤسسات الدولة المنقسمة؛ إذ إن البنك المركزي ومؤسسة النفط تعملان من خلال إدارتين في طرابلس والبيضاء، مما يحتم دمجهما بشكل سريع لمعالجة مشكلة التردي الاقتصادي الذي أضر بالمواطن الليبي. ومع عدم حصول الحكومة على ثقة مجلس النواب الذي فشل أكثر من مرة في عقد جلسة للمصادقة عليها سواء بسبب عدم اكتمال النصاب أو عدم التوافق، فإن من المقرر أن تعمل على توحيد الصفوف بدعم جميع الأطياف السياسية لإنقاذ البلاد. وحددت الحكومة الجديدة عملها بضرورة حل الميليشيات المسلحة بالعاصمة طرابلس والمدن الأخرى، بيد أنها تظل بحاجة للحماية لحمايتها حتى تتمكن من السيطرة على المؤسسات الأمنية كالجيش والشرطة حفاظاً على وحدة ليبيا وعلى الوفاق بين مختلف مكونات الشعب. القفز على السلطة رفض رئيس الوزراء السابق، عبد الله الثني، الاعتراف بما سماه "شرعية تُملى من خارج البلاد"، مشددا على أن أي قرار خارج قبة مجلس النواب لن يُعترف به. وأضاف الثني أن حكومته المؤقتة، يقصد المنتهية ولايتها، جسم منتخب من البرلمان الليبي، مبينا أنها ستسيّر الدولة لحين منح الثقة لحكومة الوفاق، متهما مجلسها الرئاسي بأنه "أراد أن يقفز على السلطة"، منبها إلى أن هناك أطرافا دولية ومحلية تُمارس سياسة التنكيل، دون أن يوضحها بالاسم، بيد أنه رفض الاعتراف بتصريحات الممثل الخاص للأمم المتحدة مارتن كوبلر، والدول الخارجية، بشأن منح الثقة لحكومة السراج. يشار إلى أن البرلمان الليبي فشل في عقد جلسات للتصويت على الحكومة، الأسبوع الماضي، لعدم اكتمال النصاب القانوني، مما دعا المجلس الرئاسي إلى تجاوز هذه المرحلة نحو دخول الحكومة مباشرة إلى العاصمة ومباشرة أعمالها. في السياق ذاته، شكك نائب رئيس المجلس الرئاسي، علي القطراني، في حكومة الصخيرات، مشيرا إلى أن جميع جلساتها باطلة حسب الاتفاق السياسي؛ وناشد رئيس المجلس الرئاسي أن يقدم استقالته وقال "إن من أهم شروطنا للعودة، خضوع الجميع للقيادة العامة للجيش الليبي وتسليم الميليشيات في المنطقة الغربية أسلحتها للجيش". مشكلة الهجرة تفاقمت ظاهرة الهجرة غير الشرعية، خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير، وأصبحت تشكل خطرا على الوضع الاقتصادي والأمني في ليبيا التي تمثل منطقة جذب لهذا النوع من الهجرات. وتشير إحصاءات المنظمة الدولية للهجرة في ختام عام 2012 إلى أن بالأراضي الليبية نحو مليون مهاجر من الوطن العربي، فضلًا عن إعلان الأممالمتحدة أن نحو 30 ألف مهاجر غير شرعي نزحوا إلى ليبيا بين مارس وأغسطس 2013، أي بمعدل خمسة آلاف مهاجر شهريًا. وتعد ليبيا المعبر الأمثل في نظر المهاجرين للوصول إلي أوروبا من شمال أفريقيا، عن طريق قطع البحر في اتجاه جزيرة لامبيدوزا، التي تقع بين مالطا وتونس وتتبع إيطاليا إداريًا. ونقلت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية أخيرا، تحذيرات مسؤولين ليبيين بشأن السماح لآلاف المهاجرين بالعبور من ليبيا إلى أوروبا، إذا لم تساعدهم القوى الغربية في مواجهة الهجرة غير الشرعية. وأشارت الصحيفة إلى ارتفاع تكاليف الرحلة إلى أوروبا من 400 دولار عام 2014 إلى 1300 دولار العام الحالي. ترحيب عالمي رحب المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر بوصول مجلس الرئاسة إلى طرابلس، معتبراً الأمر خطوة مهمة على صعيد الانتقال الديمقراطي في البلاد ومسار السلام والأمن والازدهار. وأشاد كوبلر بشجاعة وعزيمة المجلس الرئاسي، في المضي قدما بتنفيذ الاتفاق الليبي وتحقيق طموحات الأغلبية الساحقة من الليبيين، مطالبا الشعب بتقديم "الدعم والتعاون الكاملين للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني". وشدد على ضرورة أن تستكمل العملية السياسية بطريقة سلمية، حاثا كل المعارضين على الترحيب بالمجلس الرئاسي وتقديم التسهيلات لهم لأداء مهامهم، "لكون الوضع في البلاد صعبا للغاية"، مبينا أن المجتمع الدولي قدم الحماية للمجلس الرئاسي لدخول طرابلس، مع وجود "اتصالات مع قادة الميليشيات لتأمين سلامة المجلس". من جانبها، قالت مفوضة السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موجريريني إن وصول مجلس الرئاسة إلى العاصمة يمثل فرصة فريدة لليبيين من جميع الفصائل للم الشمل والمصالحة على أساس الاتفاق السياسي، موضحة أن هذه الخطوة مهمة من أجل التحول الديمقراطي في ليبيا، ومن أجل تنفيذ الاتفاق السياسي الليبي، بما يتماشى مع رغبات الشعب، مشيرة إلى أن الاتحاد والدول الأعضاء جدد التزامه الكامل بدعم ليبيا وتنفيذ الاتفاق بالعمل في شراكة وثيقة مع تقييم الاحتياجات العالمية. تفاؤل عربي رحب الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي بانتقال المجلس الرئاسي إلى العاصمة الليبيبة، داعيا في الوقت نفسه، كافة القوى السياسية والتيارات الحزبية وفى مقدمتهم أعضاء مجلس النواب إلى التعاون مع حكومة الوفاق الوطني ومساعدتها في الاضطلاع بمهامها. وحث العربي الأطراف الوطنية الأخرى خاصةً رؤساء القبائل وأعيان البلاد ومنظمات المجتمع المدني إلى الالتفاف حول حكومة الوفاق المنبثقة من الحل السياسي للأزمة الليبية الذي تم اعتماده في مدينة الصخيرات بالمغرب في ديسمبر الماضي. من جانبها، اعتبرت مصر وصول المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج إلى طرابلس، خطوة في اتجاه تنفيذ الحل، مشددة على أهمية صون المؤسسات التي يتضمنها الاتفاق الليبي، داعية في بيان، البرلمان إلى النهوض بواجبه استكمالاً للمسار السياسي برعاية الأممالمتحدة، فضلاً عن مهمة التشريع والرقابة. نقص التمويل ذكرت الصحيفة، نقلا عن منظمة «فرونتكس»، وهي وكالة تابعة للاتحاد الأوروبي وتختص بمراقبة الحدود الدولية للأعضاء، أن أكثر من 154 ألف مهاجر عبروا البحر المتوسط العام الماضي عبر ليبيا ووصلوا إلى إيطاليا، مشيرة إلى مخاوف من تضاعف تلك الأعداد عقب إغلاق طريق البلقان أمام المهاجرين. وأوضحت الصحيفة أن مديري مراكز الاحتجاز داخل ليبيا والمنتمون لخفر السواحل، يعانون نقص التمويل والأدوات الأساسية اللازمة لوقف تدفق المهاجرين والقضاء على شبكات التهريب. وأشار مسؤولون ليبيون، إلى غياب التمويل والعدد والموارد والتدريب اللازم لوقف تدفق المهاجرين، مؤكدين أنهم لم يحصلوا على حصتهم من الدعم المقدم لمواجهة الهجرة غير الشرعية، الذي يبلغ 3.6 ملايين يورو، متهمين الغرب بالتخلي عنهم. وقال مدير مركز لاحتجاز المهاجرين قرب طرابلس، العقيد محمد بورقيبة: "الدولة ضعيفة ولا يوجد تمويل كافٍ، ومعظمنا لا يتقاضى أجره، وإذا لم تتغير الأوضاع فلن نقوم بعملنا، ببساطة وسنقوم بفتح أبواب الهجرة على مصراعيها، فنحن نقوم بأقصى ما يمكننا".