تطلق الثقافة المجتمعية مصطلحاتها وتشخيصها لأي عارض يمر به الإنسان ونسبة القناعة المعرفية تجاوزت 90%، بحيث أن من يتعرض لتغير فكري أو سلوكي يصنف بمرض روحي (مس أو حسد أو عين)، وقد نجد فيما تبقى من نسبة القناعة المعرفية من يختزل صمته بين أحد هذه الأعراض ويهمس بعارض النفس كشيء من الندرة وفي مساحة تصريح ضيقة جدا، لإيمانه الداخلي بأن المجتمع المحيط به يخالفه الرأي. أؤمن أن كيان الإنسان جسد وروح ونفس، وكل حيز من هذا الثلاثي يمرض ويختزل مكونات عضوية وأثيرية ويعيشها ويلازمها في صمت. من أهم المعطيات في المرض الجسدي أولا:- أنه ألم ووجع لعضو معين في جسد الإنسان يتيح الحديث عنه للآخر لكونه -أي الآخر- قد يعاني العضو ذاته، وهذا أكثر الأمراض التي نؤمن بها، لأنها تدخل في إطار الحقيقة الحسية لتقاسم الألم. الحيز الثاني هي الروح في تقاسم الأحلام والإعراض والتفكير والضيق واختلاف درجة الحالة، فيصادف أن نجد كل مؤمن بالله يؤمن بوجود الأرواح الأخرى كالجن، ويعلم أنها حقيقة أشار إليها لسان الوحي بتخبط الشيطان للإنسان بمس يخترق روحه. الحيز الثالث هي النفس وحقيقتها أكثر إدراكا للمختصين والممارسين في مسار علم النفس، حيث تشكل تكوينا أثيريا يبتهج ويحزن، وغاية الإيمان بها حينما تجد الآخر يحدثك بأعراض تتوافق مع ما تشعر به، ويغزو أفكارك بهتافات كان ظنك قبل سماعها أنها تسكن جمجمتك فقط، وقد يزول المرض الجسدي والروحي ويسايره عارض نفسي لا يمْحَى إلا بدعم وتقنية فكرية معينة لتختفي الصور الذهنية المتراكمة لما حدث للجسد والروح. هنا محور الوعي والبحث المعرفي بمكونات الإنسان وإن له محورا آخر يحتاج لرعاية ونقاش وانطلاق يجب البحث فيه وهي النفس البشرية، ومن الحقائق العلمية تصنيف التشخيص النفسي طبيا والإقرار به شرعا كأحد أركان القبول والرفض في القضاء الشرعي، حسب درجة وصول ذلك المرض في حياة الإنسان، وللمرض النفسي درجات عليا ترفع التكليف الشرعي. وأخيرا أجد أن معطيات التعبئة الفكرية للإنسان أساس في قبول ورفض المرض النفسي، حسب نظرة المحيطين، فهل يصنفونه جهلا للحال أم مرضاً له أبعاده وحقيقته؟ وهنا تظهر أهمية المحيطين بالمريض النفسي في دعمه بالعقل والمعرفة والإحساس به أو إرهاقه بتشويش فهمه وإرهاق أفكاره وإضعاف حاله، وتبقى متلازمة المرض حقيقة لمحاور الكيان البشري جسدا وروحا ونفسا.