انتقد محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد الجاسر ضعف مساهمة قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي بالمملكة، مبينا أن مساهمتها لا تتجاوز 33% من إجمالي مساهمة القطاع الخاص، في حين يبلغ الناتج في دول أخرى 57%، في الوقت الذي توقع فيه مدير مؤسسة التمويل الدولية لارس تانيل أن تحظى قضية تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة باهتمام قمة مجموعة العشرين هذا الشهر في كوريا الجنوبية. وعلل الجاسر خلال افتتاحه ندوة "المنشآت الصغيرة والمتوسطة" أمس في الرياض، سبب ضعف المساهمة بضخامة القطاع النفطي والقطاع العام بوصفهما المحرك الرئيس للنشاط الاقتصادي، مطالبا في الوقت نفسه إبراز أهمية العمل على تحسين وضع تلك الشركات وتوفير وسائل التمويل اللازمة لها لتفعيل دورها في المستقبل. وشدد الجاسر على ضرورة مواجهة عقبات الحصول على التمويل والإقراض لمساعدة نمو المؤسسات على تحقيق معدلات مساهمة أعلى في الناتج المحلي، مشيرا في هذا الصدد لجهود وزارة المالية في تأسيس برنامج "كفالة" لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة الذي يديره صندوق التنمية الصناعية برأسمال 200 مليون ريال. وأضاف الجاسر أن إجمالي ما قدمه الصندوق ل"كفالة" حتى نهاية العام الماضي 644 مليون ريال، إضافة إلى قروض المصارف تحت مظلة البرنامج البالغة 1.6 مليار ريال استفادت منها حوالي 1113 منشأة صغيرة ومتوسطة. وأكد الجاسر أن واقع المنشآت في المملكة الصغيرة والمتوسطة الحجم تمارس دوراً هاماً في الحركة الاقتصادية في الدول المتقدمة والنامية لقدرتها الاستيعابية الهائلة على توظيف القوى العاملة، موضحا أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في منطقة اليورو تساهم بنحو 99.8%من إجمالي منشآت الأعمال وما نسبته 60% من القيمة المضافة و70%من التوظيف. وتطرق الجاسر لإشكالية تعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة، قائلا: "منطقة اليورو في الاتحاد الأوروبي تعرف المنشآت الصغيرة بأنها التي لديها نحو 50 عاملاً ويبلغ حجم نشاطها حوالي 10 ملايين يورو في حين تعرف المنشآت المتوسطة بأنها التي توظف نحو 250 عاملاً، ويبلغ نشاطها التجاري السنوي حوالي 50 مليون يورو. وقال إلا أن صندوق التنمية الصناعية السعودي يعتمد معيار المبيعات السنوية لتعريف المنشآت الصغيرة والمتوسطة بأنها تلك التي لا تتجاوز مبيعاتها 20 مليون ريال سنوياً، لافتا النظر إلى أن البنك الدولي قام بتوزيع استبيان على المصارف التجارية لتحديد تعريف للمنشآت الصغيرة والمتوسطة وكانت النتيجة وجود تباين في تعاريف المصارف لها. وأشار إلى أنه يمكن الاستنتاج من ذلك أن المؤسسات الصغيرة هي التي تتراوح مبيعاتها السنوية ما بين 100 ألف ريال إلى 5 ملايين ريال وتوظف ما بين عاملين إلى 49 عاملاً، بينما المؤسسات المتوسطة هي التي تبلغ حجم مبيعاتها ما بين 5 ملايين ريال سنوياً إلى 50 مليون ريال وتوظف ما بين 50 إلى 200 عامل. ولفت الجاسر إلى أن مؤشرات النمو في منشآت الأعمال في المملكة قد حققت معدلات نمو واضح في السنوات الأخيرة، إذ ارتفع عدد المنشآت المشتركة في نظام التأمينات الاجتماعية إلى نحو 218.4 ألف منشأة في عام حتى نهاية العام الماضي بمتوسط سنوي يبلغ 16%، مشيراً إلى أن المنشآت الفردية تمثل 93.1% من الإجمالي والمحدودة 4.7% والتضامنية 0.6%، في حين يبلغ نشاط التجارة بنسبة 34.3% والتشييد والبناء 32.3% والصناعات التحويلية بنسبة 14.6% فيما تحظى المنشآت الصغيرة التي يعمل بها أقل من خمسة أشخاص بالنصيب الأكبر بنسبة 54.4% من إجمالي عدد المنشآت في نهاية العام الماضي. وأضاف الجاسر أن النصيب المئوي للمنشآت التي يعمل بها من 5 إلى 59 شخصاً يبلغ نحو 42% والباقي ونسبته 3.8% للمنشآت التي يعمل بها أكثر من 60 شخصاً، لافتا إلى أنه من واقع هذه البيانات يتضح أن معظم المنشآت في المملكة هي منشآت صغيرة الحجم بالنظر إلى معيار عدد العمالة. وأبرز الجاسر التحديات التي تواجه المنشآت صغيرة ومتوسطة الحجم في الحصول على التمويل اللازم لتلبية احتياجاتها التوسعية التي تتمثل في عدم توفر الضمانات الكفيلة لمنح الائتمان، مشددا على أن وضع المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة ما زال يحتاج إلى الكثير من الرعاية وتوفر البيئة المناسبة لها لتؤدي دورها المطلوب في الاقتصاد خاصة في مجال توطين الوظائف مشيرا إلى أن الندوة يمكن أن تساهم في إثراء نقاش هذا الموضوع من مختلف جوانبه وتقدم التوصيات اللازمة لمساعدة المسؤولين في اتخاذ القرارات المناسبة لهذا القطاع الهام. من جهته أكد مدير مؤسسة التمويل الدولية لارس تانيل في كلمته على أهمية الندوة التي يكتسبها، مستعرضاً جهود البنك الدولي في هذا الشأن إضافة إلى جهود مؤسسة التمويل الدولية وتعاونها مع مجموعة العشرين لتعزيز مبادرتها بشأن التوسع في سبل تقديم التمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة. وتوقع تانيل أن تحظى قضية تمويل هذه المشاريع باهتمام وحرص قادة مجموعة العشرين في اجتماعهم الشهر الجاري في كوريا الجنوبية بوصفها الركيزة الاقتصادية الرئيسية لمعظم دول العالم ولكونها الموفر الأكبر لفرص العمل. وعرض التحديات التي تواجه قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في منطقة الشرق الأوسط ومن أهمها توافد أعداد كبيرة من طالبي العمل سنوياً وبسبب نقص التمويل اللازم وقصر وقت السداد وصعوبة الضمانات المطلوبة للتمويل وما تراه المصارف من ارتفاع في مستوى المخاطرة يتباطأ نمو هذه الشركات. ورأى تانيل أن سوق المشاريع الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا "يشوبه القصور الشديد" عند مقارنته بأسواق الدول النامية الأخرى، مبينا في الوقت نفسه قيام المملكة بإصلاحات اقتصادية كبيرة جعلها بين قائمة أكثر الإصلاحيين فاعلية وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر خلال السنوات الأخيرة مشيداً في الوقت ذاته بجهود الحكومة السعودية ولرؤيتها الرشيدة في مجال تعزيز بيئة أنشطة الأعمال المواتية وقيامها بتشجيع القطاع الخاص الذي يقود قاطرة النمو.