حضر الحيوان في تاريخ الأدب العربي وبشكل لافت، إذ ارتبطت كثير من الأعمال الأدبية بأسماء حيوانات وتحديدا في الرواية، حيث حملت عدة روايات الحيوان في عناوينها، فما هو السر في هذا الارتباط الكبير والواضح؟ علامة سيميائية يقول الباحث الأكاديمي الدكتور حسين المناصرة، لعل هناك أسبابا عديدة وراء هذا الحضور، من أبرزها أن الحيوان يوفر للسارد قناعا رامزا، فيشكل وجوده في العناوين إيحاء عميقا، يسهم في لفت انتباه المتلقي من جهة، وتهميش دور الرقيب من جهة أخرى. وأن للحيوان منزلة ثقافية شعبية تراثية في السرديات العربية القديمة، ومن ثم لكل حيوان ذاكرة شعبية معينة، تثري العنوان والمتن معا. ويبدو الحيوان علامة سيميائية من ضمن علامات سيميائية أخرى كثيرة، وبإمكاننا أن نرى عناوين أخرى كثيرة مهمة ومتجاوزة للحيوان في مدونة عناوين الرواية العربية، ومع ذلك لا بد من إجراء دراسة إحصائية دلالية لهذه العناوين كي ندرك القيم المعيارية التصنيفية لإشكالية الحيوان في العناوين! نظريا أتفق مع هذا التساؤل، لكن تطبيقيا يحتاج هذا التساؤل المشروع إلى استقراء العناوين ومقاربتها، تحقيقا لأفق التوقع أو كسرا لهذا الأفق. البيئة العربية تعيد الكاتبة والناقدة الدكتورة منى المالكي، تناول العرب في تراثهم المروي شعرا الإبلَ والخيلَ وبقية الحيوانات إلى بيئتهم المحيطة، كما أن لهم في الخيل نعتا مفصلا وأدبيات لم يسبقهم فيها أحد. فقد كان العرب منعزلين بعيدين عن العالم المتحضر آنذاك، واكتسبوا بطول مراقبتهم لحيواناتهم التي تعيش معهم، وتلك التي يصطادونها أو تفتك بهم وبحيواناتهم، معرفة طبائعها، وانطبعت في أذهانهم خواصها وصفاتها، وراحوا ينعتونها بما يتفق وهذه الطباع، مدحًا أو ذمّاً، وأطلقوا أسماءها على أبنائهم وعشائرهم، إذ كان فيها معنى القوة والوفاء، وقد ندرك هذا الأمر مما نجده من أن معظم الأسماء العربية الصحيحة للقبائل والأفراد في الجاهلية مشتقة من أسماء الحيوان. وما زالت إلى الآن تلك الثقافة العربية تظهر في عناوين الروايات أو الدواوين الشعرية، فهي تصل بسبب إلى ذلك العربي القابع في داخل كل مبدع عربي، وهذا لا يعني انتقاصا للعمل، بل إن الربط بين اسم الحيوان وعنوان العمل الأدبي له دلالة عميقة بمسار الرواية وأحداثها منها ما يكون خوفا من الرقيب أو ترميز يرتقي بوعي المتلقي، وهذا كله يخدم رؤية المبدع. دراسة العتبات يرى الباحث والأكاديمي الدكتور أحمد الهلالي أن الدراسات النقدية الحديثة اهتمت بدراسة العتبات، والعنوان من العتبات المهمة التي أولاها النقاد عناية خاصة، والأعمال الروائية التي حوت عناوينها ذكرا لحيوان (ما)، خضع بعضها للتحليل وتأول الحاجة الدلالية التي جعلت الكاتب ينزع إلى ذكر اسم حيوان بعينه في عنوان الرواية، لكن بنظرة عامة على جغرافيا (العنونة) للروايات العربية، ورصد عددا من الروايات تحوي عناوينها اسم حيوان ما، يبرز نوع خاص من تأويل الظاهرة، وهو تأويل لا يخضع لمعيار بحثي دقيق، كون الأعمال ومبدعيها وتجاربهم في شبه انفصال، لكن الثقافة والإرث الإنساني تجمعهم. من هنا نستطيع التأول بتعميم النظر في ثقافتنا العربية، وسيمياء الحيوان فيها وحمولاته الدلالية بين (السلب والإيجاب)، فالشعر الجاهلي وظف الحيوان واستفاد منه معادلا موضوعيا، وجاء القرآن الكريم زاخرا أيضا بذكر الحيوانات على اختلافها، ثم الأدب العربي الأصيل والمترجم ككليلة ودمنة، وحين انفتح المبدع العربي على الإرث الإنساني وجد الحيوان حاضرا بقوة أيضا، سواء في (الطوطم) أو في الرمز أو الأسطورة أو في الواقع البشري.