تناول الدكتور بدر بن علي العبد القادر أستاذ تحليل الخطاب السياسي في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عناوين افتتاحية صحيفة الجزيرة في بحث علمي تجاوزت صفحاته (58) صفحة، نُشر في مجلة: المجلة العربية للدراسات اللغوية الصادرة عن معهد الخرطوم الدولي للغة العربية، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، التابعة لجامعة الدول العربية في عددها رقم (37)، الصادر في شهر صفر للعام 1437ه، ديسمبر 2015م. وقد ذكر الباحث في مقدمة بحثه أن العنوان يشكل مفتاحًا مهمًا يباشر القارئ من خلاله النص، فلم يعُد مجردَ علامة تدل على ما بعدها، يتجاوزه القارئ سريعًا ليتوجه إلى النص، بل أصبح جزءًا من البِنيَة الإستراتيجية للنص، والبناء الدلالي، كما أن للمقال السياسي أثره في الآخرين على المدى القريب والبعيد ولذا يناقش البحث موضوع: (عنوان المقال السياسي- مقاربة سيميائية- افتتاحية صحيفة الجزيرة أنموذجًا)، بصفته أبرز العوامل التي يتشكل منها المقال أيًّا كان موضوعه ومضمونه، فله الصدارة والمكانة التي يَنظر من خلالها القارئ إلى النص، ولاشتماله على رموز ذات أبعاد دلالية توجه الباحث إلى استجلاء المفاهيم المضمَّنة في المقال نفسه، كما أن التحليل المتعلق بسيميائية النص يعدُّ من أبرز الاتجاهات الحديثة في الدراسات اللغوية المعاصرة، وقد وقع الاختيار على عناوين افتتاحية صحيفة الجزيرة للكاتب (خالد بن حمد المالك) رئيس تحرير الصحيفة للعام 2014م لبواعث منها: 1 - تأجج الصراعات السياسية والمناكفات المذهبية في ذلك العام إلى مستوى لم تصل إليه من قبل. 2 - تناول هذه المقالات قضايا سياسية بالغة الأهمية، وحاجتنا إلى ما تحويه من رؤى، وما تطرحه من أفكار. 3 - التزام الكاتب في مقالاته بقضايا الأمة العربية في تلك الفترة، إذ تكاد تكون تلك المقالات سجلاً تاريخيًّا لأحداث تلك الفترة. 4 - تناول الكاتب تلك الأحداث من منظور المتابع الدقيق لما يجري، دون الخوض في تأويلات واستشرافات بعيدة عن الحقيقة. 5 - امتياز أسلوب الكاتب بالوضوح في التعبير، والدقة في التناول، والإيجاز في العرض، دون الخوض في استطرادات تخرج المقال عن مقاصده وأهدافه. ومن هنا كانت هذه المقالات جديرة بالبحث والدراسة من وجهة نظر الباحث. وقد تكونت مدونة البحث من اثنين وعشرين مقالاً، تنوعت حسب تركيبها إلى عناوين ذات بِنيَة تركيبية اسمية، وعناوين ذات بِنيَة تركيبية فعلية، وعناوين ذات بِنيَة تركيبية حرفية، وانقسمت الدراسة إلى قسمين: تناول قسمها الأول المهاد النظري لقضايا العنوان ومفهومه ووظائفه، إضافة إلى تناول علاقة السيميائية بدراسة العناوين، وخُصص القسم الثاني للمقاربة السيميائية للعناوين من خلال اختيار ثلاثة عناوين، يُمثل كل عنوان نوعًا معينًا من التراكيب السابقة، ومقاربته سيميائيًا وَفق المستويات الثلاثة: المستوى التركيبي، والمستوى الدلالي، والمستوى التداولي، ثم البحث عن التكامل الواقع بين تلك المستويات من خلال الثنائيات التي تتوالد منها، التي تشكل مرتكزات ثابتة في كل العناوين، فالمستوى التركيبي ينظر في المكونات الصوتية للعنوان بما تسمح به هذه المكونات من تركيبات دلالية تضع أمامنا الاحتمالات الممكنة لهذه الوحدة الدلالية أما المستويان الدلالي والتداولي فيشكلان بُعدًا ثانويًّا؛ لأن الأول يهتم بالمعاني في علاقاتها بالسياق، والثاني يهتم بقواعد التأويل، وهذه المستويات الثلاثة: (التركيبي/ البِنيَة، الدلالي - الدلالة، التداولي - الوظيفة) كانت منهج دراسة العنوان المطبقة في (المقاربة السيميائية لعناوين المقالات السياسية في افتتاحية صحيفة الجزيرة)، لقدرتها على الكشف عن كثير من دلالة العنوان، وامتلاكها مفاتيح تأويليه تساعد على تحديد مقاصد كل عنوان على حدة، بل إنها قادرة على تفسير سرِّ وجود بعض الموضوعات المتناولة في عدد من العناوين التي تبدو للوهلة الأولى إنها شيء من التكرار، ولكنه ليس كذلك فكل تكرار يتفرد بقصد جديد يختلف عن سابقه، فمقاربة عنوان المقال سيميائيًا تُعدُّ محاولة لاستنطاق العلامة الأولى للمقال؛ للكشف عما تكتنزه من دلالات تساعد على فهم البِنيَة العميقة لمتن المقال، كما تساعد في تعرية العنوان وتِبيان سر اختياره. وذلك بالكشف عن التمثيل الصوتي للعنوان من خلال بيان صفات حروفه ومخارجها، والوقوف على أبرز المعاني التي أنتجها العنوان من خلال الثنائيات التي ينتجها، وتمثيل تلك الثنائية باستخدام المربع السيميائي الذي يمثل تنظيم البِنيَة الأساس للدليل، وتقع في المستوى العميق وذات الطبيعة المنطقية الدلالية لوصف الشفرة (اللغة) التي تحكم الرسالة (الخطاب)، وكان أبرز ما خرج به البحث من نتائج: « عناوين المدونة تختزل مضامين لها بُنى مماثلة في النص تكتشف عنها شواهد الكاتب. « كلعنوان من العناوين له دوال مؤثرة تعمل في فكر القارئ وتستحث ذهنه. « استطاعت عناوين الكاتب تحقيق وجودها الموضوعي من خلال دقة اختيارها. « أثبتت عناوين الكاتب مدى الوعي النقدي الذي وصل إليه الكاتب من خلال قراءته الواقع. « أسهمت عناوين المدونة في إخراج مقاصد الكاتب إلى الوجود. « كونت عناوين الكاتب علامة نصية أسهمت في إبراز مغازي الكاتب. « أظهرت عناوين المدونة أن الكاتب مهمومٌ سياسيًّا، وله ارتباط عميق بقضايا المنطقة. « استطاعت العناوين النفاذ إلى ذهن المتلقي من خلال الدلالات التي تحيلها على النص بوساطة الثنائيات التي أنتجها العنوان.