أشياء كثيرة تدفعني لحب "بحر أبوسكينة"، ومن الحقائق التي لا شك فيها أنني أجد فيه أفضل مكان للتباهي، وليس أجدر ولا أقوى من الأدلة الكافية على هذا التباهي الجميل المحمود من دماء الشهداء الذين نرفع لهم الراية البيضاء.. فأشعر وأنا في "آل ختارش"، حيث مسقط رأسي، وكأنني فوق قمة هذا العالم، وفي ذات اللحظة تشدني جبال الراحة والباعق بولد أسلم، ويتسلل وهج الحب ل"حيلة آل مرضي"، وأكتشف هدوءا نفسيا في قرى المنجحة، وفي البحر الحب الجميل الذي لا يذبل، وجميع تلك الأماكن نرى فيها الصور والوجوه للشهداء، وينافس أهلها في تحقيق أحلام وطموح الوطن في كل مكان. لهذا مهما مر الزمن، وتعاقبت الأحداث فمركز الشهداء "بحر أبوسكينة" يظل لوحة رائعة من الجمال تزينه قائمة جميلة بعشرين شهيدا على الحد الجنوبي، فازوا برضاء الله، سبحانه وتعالى، وزرعوا الفرحة والفخر لمن بعدهم، وهذا هو حق الحب، وواجب البذل للمحبوب، والوفاء بالعهود أسوة بغيرهم من أصحاب التضحية للدين والوطن في كل شبر من بلادي. بقيت هذه الكلمات أبعثها من البحر الجميل مخضبة بروائح العطور التهامية التي ظلت زمنا طويلا كجبل "رهبان" يجثم على صدر كل بحري، أخرج بكم إلى البوح وأتقمص من خلالها دور المكاشفة التي لا تنتزع الحب الكبير ولا تنقص من مستواه في قلوبنا، فقد نويت أن أفصح لكم عن سر مولد الكهرباء المتهالك الذي يخدم قرى شمال بحر أبوسكينة (الشرى - مراتخ - آل ختارش) والذي لا يصمد لرشة مطر فيلتف الظلام حولنا، وتحترق أحلامنا مع بروق الصيف وندفنها على سطوح المنازل ونسامر القمر والنجوم في صمت من شركة الكهرباء، بعد أن أهديناها مساحة كبيرة من أرضنا الخضراء بلا مقابل، فمنحتنا وحشة الظلام وتنكرت لجميل الأوفياء.. وما زال أملنا لا ينقطع في أن نكون من المحظوظين، وقد آن الأوان لنحظى بخدمة أفضل، ولو من باب رد الجميل، بدلا من أن تدير لنا ظهرها وكأن همومنا لا تعنيها.