قد يتبادر إلى ذهن القارئ الكريم عند ذكر مصطلح"العدالة الاجتماعية" وعلاقته بالزواج الجماعي هذا السؤال: ما العلاقة أو الرابط الذي يجمع بين الزواج الجماعي – وبين العدالة الاجتماعية؟! ما أحاول قوله هنا أن فكرة الزواج الجماعي إنما تقوم على قيمة العدالة؛ فكرة العدالة واحدة من أكثر الموضوعات أهمية وشيوعاً في السلوك الاجتماعي. ويمكن أن تتخذ وجوهاً متباينة حتى ضمن المجتمع الواحد. ولعل فكرة الزواج الجماعي أحد أهم هذه الوجوه. ولابد في البداية من الإشادة بالإيجابيات التي تثمرها الزواجات الجماعية من ثمار طيبة اجتماعية. ويحظى بإيجابيات كثيرة لا نختزلها في الجانب الاقتصادي فقط من حيث تقليل تكاليف الزواج، ولكن دعم للروابط الاجتماعية وإيجاد مساحة لتفعيل العمل التطوعي ودوام النعمة. منذ أيام قليلة مضت احتفلت بعض القبائل بالزواج الجماعي، الذي يعد صورة من الصور الاجتماعية في مجتمعنا السعودي، وهو ظاهرة مستجدة ويتباين قبولها من منطقة لأخرى. حيث تعمل على تحقيق عدد من الأهداف، ومنها ربط المجتمع بعضه ببعض في مناسبة عامة وهي مناسبة زواج أبنائه، وإظهار أفراد المجتمع يداً واحدة كالأسرة الواحدة، إلى جانب التخفيف من أعباء الزواج المالية وتكاليفه، إضافة إلى المساعدة على تحصين الشباب وحمايتهم من الأخطار الاجتماعية، وحل لمشكلة تأخر زواج الشباب ومشكلة عنوسة الفتيات، وشعور المتزوجين بالفرحة وهم يرون أبناء قبيلتهم يشاركونهم في ليلة فرحتهم، وأيضاً تلاحم أطياف القبيلة الواحدة والفرحة الجماعية وغيرها مما لا تمتلكه الزواجات الفردية. ولا شك أن كلا منا يؤمن بحقيقة واقعية هي أن أبناء القبيلة الواحدة يختلفون فيما بينهم. وذلك بسبب ظاهرة الفروق الفردية بينهم، ومنها (المستوى التعليمي - نوع المهنة - مستوى الدخل - العمر الزمني ...). ويأتي برنامج الزواج الجماعي ليقلص هذه الفروق الفردية بينهم، فترى من أبناء القبيلة ممن لا يستطيع إقامة حفلة الزواج بمفرده، وكذلك ممن لا يستطيع الحضور لأكثر من زواج. نجد أن هذه الزواجات الجماعية تحل هذه الإشكالية، ويتحقق مبدأ المساواة والعدل، وذلك بتضييق الفروق الفردية بينهم، وإذابة الفروق الفردية بين المتزوجين المادية والمجتمعية ويمكن أن يسهم في علاج أو تخفيف نسبة الطلاق. فطالما أن الجماعة تحقق حاجات الفرد فإن بإمكانها أن تؤثر على أفكاره وسلوكه عن طريق تلك الفوائد التي يحصل عليها من جراء انتمائه لها. إن الزواج الجماعي فكرة مجتمعية طموحة تحتاج إلى مراجعات لتعديلها وتنظيمها وفق دراسة علمية تستفيد من التغذية الراجعة وتستلهم أبرز الملامح والمؤشرات من الواقع والتصحيح، فليس كل مستمر ناجحا. وبعد مضي أكثر من عشر سنوات على فكرة الزواج الجماعي لدى بعض القبائل أقترح على أمراء ومحافظي المناطق وفقهم الله تعالى بتوجيه شيوخ القبائل المنفذة لبرنامج الزواج الجماعي على عقد ورشة عمل بعنوان (الزواجات الجماعية .. الواقع والمأمول)، لإقامة لقاءات وورش عمل لتعنى بتطوير فكرة الزواجات الجماعية، ومن أجل رفع كفاءات هذا البرنامج. ويتم تبادل بعض الحلول والتجارب التي قامت بها بعض القبائل المنفذة لفكرة الزواجات الجماعية في الحد والتقليل من ظاهرة الزواج الفردي ومناقشة أسباب العزوف عن الزواجات الجماعية. آملاً في الخروج من هذه الورشة بنتيجة.. وهذا أمر مهم جدا وأساسي للحكم على برنامج الزواج الجماعي، وذلك للاستمرار فيه ودعمه وتنميته.