رغم قتامة المشهد العراقي ودراميته، إلا أن فيه ما يجعل الإنسان أحيانا يضحك ملء شدقيه وفق مقولة شر البلية ما يضحك، وآخر تلك الابتلاءات المضحكة هو قرار حيدر العبادي بضم مليشيات الحشد الشعبي إلى المؤسسة العسكرية العراقية على قدم المساواة مع قوات مكافحة الإرهاب. ولن ندخل هنا في باب النقد اللاذع لتركيبة هذه الميليشيات، والفوضوية التي تعاني منها فكرا وتنظيما وعقيدة، تلك الفوضوية التي ستنقلها بالتأكيد إلى المؤسسة العسكرية العراقية، ولن نتكلم عن الجرائم التي ارتكبتها بحق المدنيين السنة والتي تصل إلى مستوى جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي من حرق ونهب وقتل وتمثيل وسلخ، دون أن يحاكم أي من عناصرها (رغم اعتراف الحكومة العراقية بوقوعها)، كذلك لن نتكلم عن التصريحات المضحكة التي يدلي بها قادتها والتي من خلالها جعلوا من العراق أضحوكة يتندر بها القاصي والداني. قرار العبادي ضم هذه الميليشيات إلى المؤسسة العسكرية في العراق يمثل خرقا سافرا لمبدأ التوافق والشراكة في الحكم، ومسمارا أخيرا في نعش الدولة العراقية، الأمر الذي يحتم على المكونات العراقية الأخرى من خارج المكون الشيعي (كردية كانت أم سنية) الوقوف بوجه هذا القرار ومحاولة إجهاضه بكافة الطرق، وإلا فإن الخيار الوحيد الذي سيبقى أمامهم هو المطالبة بحل الجيش العراقي برمته بعد انتهاء معارك التحرير ضد داعش. وذلك للأسباب التالية:- 1 - بعد سقوط نظام صدام حسين أصر الساسة العراقيون آنذاك على حل الجيش العراقي وتشكيل جيش عراقي جديد خال من التحزب والتوجهات السياسية، باعتبار أن الجيش العراقي آنذاك كان يتبنى عقيدة وفكر حزب البعث. وعليه فإن وجود جيش مسخر لعقيدة مذهبية واحدة ينتمي أغلب أفراده إلى طائفة واحدة في الوقت الراهن لا يبقي هناك فرقا بين مسوغات حل جيش صدام والمسوغات المطلوبة لحل الجيش الحالي، خاصة في حال ضم ميليشيات الحشد الشعبي إليه. 2 - لا يمكن لمؤسسة عسكرية تابعة لدولة محترمة أن تضم إلى قواتها النظامية ميليشيا غير جديرة بتبني العقيدة العسكرية. فمعروف أن هذه الميليشيات قد ارتكبت جرائم حرب ضد المكون العربي السني، وتورطت في ممارسات شبيهة بما تمارسه العصابات من سلب ونهب وسرقة لبيوت المدنيين، الأمر الذي يفرض على الحكومة العراقية النأي بنفسها وجيشها عن التورط مع هكذا تشكيلات مشبوهة. 3 - كما قلنا أعلاه فإن انضمام ميليشيا الحشد الشعبي للمؤسسة العسكرية العراقية يعتبر خرقا فاضحا لمبدا التوافق ال ذي بني عليه العراق الجديد في 2003، فالجيش العراقي ومنذ عهد المالكي يعاني من سيطرة مكون مذهبي واحد عليه دونا عن بقية المكونات، لذلك فضم ميليشيات الحشد المتشبعة في أساس تكوينها بالحس المذهبي إليها سيضفي صبغة شيعية كاملة على هذه المؤسسة، وينأى بالمكونات الأخرى من أي تأثير لها في تلك المؤسسة، وبذلك تترسخ أكثر دكتاتورية المذهب التي يعاني منها العراق.