كان الشريط جاهزا لفسحه وتوزيعه في الأسواق، بعد تنفيذه موسيقيا وتركيب الصوت، والاحتفال بأول كاسيت "ألبوم غنائي" للقصيدة الحديثة في السعودية. لكن في ظروف غامضة ولأسباب ليست واضحة تماما، توقف كل شيء، وأجهضت التجربة أواخر الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي. بعد ربع قرن على محاولة الكاتب الصحافي شاكر الشيخ، الذي تعلم في ذروة ما عرف إعلاميا ب"مواجهة الأصالة والحداثة"، العزف على العود، ولم يكتف بذلك بل تابع "مغامرته"، ولحن عدة قصائد حديثة للشعراء "محمد العلي، علي الدميني، عبد الله الصيخان، صالح الصالح"، إلى جانب قصائد أخرى له كتبها بلهجة محلية مزج فيها بين الحجازية حيث إن مكةمسقط رأسه، و"الشرقاوية" حيث عاش قرابة 40 عاما في الدمام، رصدت "الوطن" تساؤلات عن تلك التجربة ولماذا ماتت سريعا؟!
احتفالية بالقصيدة الجديدة دخل السعوديون إلى "تجربة غناء القصدة الحديثة" في المنطقة الشرقية عبر محاولة شاكر الشيخ، وهم مستعدون تماما للتماهي مع تجارب سابقة في الوطن العربي سواء في مصر أو في بلاد الشام، وصولا إلى دول الجوار، خصوصا البحرين التي تميزت بتجربة فرقة "أجراس"وتجربة خالد الشيخ. لكن الشاعر عبد الله الصيخان يؤكد ل"الوطن"عدم معرفته أسباب واضحة لإجهاض التجربة وعدم انتشارها بتوزيع الشريط وتسويقه رسميا، ويوضح: في ذهني أن الشريط كان للتداول بين الأصدقاء والمشهد الثقافي فحسب، ولم يكن معدا للتوزيع والتسويق، إذ كان بمثابة احتفالية من شاكر الشيخ (رحمه الله) بالتجربة الجديدة في مسيرة الشعر السعودي فقط، وبالفعل كانت احتفالية مبهجة ومستحقة للإجلال والإكبار والتقدير. فتح مسارات جديدة للأغنية يقول الفنان محروس الهاجري ل"الوطن": كنت أحد شهود تجربة شاكر الشيخ تلك، حضرت بداياته الأولى في تلحين القصائد، ثم كنت موجودا في الأستديو بالقاهرة أثناء التنفيذ الموسيقي للعمل، حين كان الفنان عبد الله البريكان يسجل صوته، كنت متابعا لتلك التجربة الجميلة التي كانت محاولة رائدة أعجبتني، وتمنيت لو أنني أديتها بصوتي، لكني لم أملك الجرأة على طلب أن أغنيها، واعترفت لشاكر فيما بعد بذلك، بعد أن تغيرت الظروف واختلفت، وماتت التجربة قبل أن تظهر للنور، حيث وزعت بشكل محدود، لأنها لم تكن هناك شركة إنتاج راعية تهتم بالأمر. ويواصل الهاجري: كنت أعول على نجاح التجربة من أجل فتح مسارات جديدة للأغنية والموسيقى السعودية التي يغيب فيها هذا اللون الغنائي، وأقصد غناء القصيدة الحديثة، لكن الأقدار دخلت على الخط ولم يكتمل المشروع. منتج ثقافي حين يفتتح المغني وعازف العود اللبناني مارسيل خليفة مهرجان الصيف الدولي الرابع عشر بمكتبة الإسكندرية في 29 يوليو الجاري، والذي يمتد حتى الثامن من سبتمبر ويشمل أكثر من 40 نشاطا متنوعا بين الموسيقى والمسرح والسينما. يستعيد السعوديون تجربة الشيخ اليتيمة التي لم يكتب لها الذيوع والانتشار، بل لم تخلق حالة فنية تضيف لعوالم الأغنية والموسيقى في السعودية أفقا مختلفا، يوازن بين أشكال جديدة من الفنون وبين كلاسيكيات الأغنية السعودية، بحسب الفنان والموسيقار السعودي غازي علي الذي قال ل"الوطن": استمعت لتجربة شاكر الشيخ، وكانت تحوي ألحانا جميلة، كما أن الفنان البريكان قدم أداءً جيدا وقتها، لكن علينا الانتباه إلى تجربة غناء القصيدة الحديثة في منطقتنا، وأعني "الخليج العربي"، لا يمكن مقارنتها بمثيلاتها من التجارب في مصر أو لبنان، فالواقع الثقافي والفني مختلف من حيث تفاصيل كثيرة، لعل أهمها في نظري غياب التأهيل الأكاديمي لمعظم العاملين في هذا الحقل، كما أن المناخ العام غير مهيأ لأعمال كهذه، ولنأخذ مثالا مكتبة الإسكندرية التي تستضيف مارسيل لديها مركز فنون، ومارسيل سيقدم الحفل بمصاحبة أوركسترا مكتبة الإسكندرية بقيادة المايسترو هشام جبر، فهل لدينا مكتبات تهتم بنشاط كهذا، حريص على تقديم منتج ثقافي؟!
أغان من دواوين الأصدقاء الموسيقى أو الألحان التي تحاول التعبير عن نص أدبي، عن قصيدة أو لوحة فنية كتبت للقراءة أو للمشاهدة والتأمل وليست للغناء، هي بكل تأكيد مغامرة يصعب التكهن بمستقبلها، لكنها مغامرة فيها لذة الاكتشاف والتحدي وفيها أيضا إرضاء غرور الذات وطموحها بلا حدود. هكذا رأيت تجربة الصديق المرحوم شاكر الشيخ في بيته أولا قبل تسجيل الأغاني في القاهرة، وهو يمارس العزف على العود ويلحن قصائد من دواوين الأصدقاء المبدعين، كان مستمتعا وبعزيمة نادرة ينهي لحنا، يعيد صياغته، يعدل فيه ويبدأ في الآخر ويسمعه نفر قليل من الأصدقاء. في اعتقادي أن شاكر في تلك الليالي الخضراء المخضبة بالفن والأدب كان يمارس ضربا من جنون العاشق للفن والموسيقى والأدب، مع رفض عميق للفصل بينهما، لم يكن شاكر ذاك الملحن كما يعرفه الملحنون المحترفون، كان يمارس ذاته كما هواها طائرا حرا لا يمكن أن يثنيه عن تحليقه أحد. هكذا بدأت حكاية ألحان شاكر لقصائد الشعراء "على الدميني ومحمد العلي وعبد الله الصيخان" وقصائده هو، وعندما اكتملت استدعى الفنان عبد الله البريكان إلى البيت ليسمع الألحان ويغنيها، فكان للبريكان بحكم خبرته لمساته وإضافاته، حتى أصبحت الألحان مادة غنائية موسيقية جاهزة. في القاهرة وتحديدا في سبتمبر من العام 1988 ذهب الجميع إلى القاهرة للتسجيل ومنهم الفنان محروس الهاجري لتسجيل عدد من أغنياته الجميلة، وصالح بوحنية، وشاكر الشيخ وعبد الله البريكان، أما أنا فكنت شغوفا بالمسرح وذهبت لحضور الدورة الأولى لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ومشاركة بوحنية في اختيار مخرج مسرحي متفرغ للعمل في فرع الجمعية بالدمام، حيث كنا على موعد مع المخرج جمال قاسم، عدة مهام كانت تنتظر المجموعة معا في القاهرة، فسكنا وغنينا وسجلنا الأغاني معا، حيث كان المشوار من حي مصر الجديدة إلى أستوديو عمار الشريعي في القاهرة هو الرحلة الأهم والموعد المنتظر. أذكر أن الألحان قد دونت قبل ذلك من قبل فنان معروف في القاهرة لا اذكر اسمه حاليا على النوتة الموسيقية قبل تسجيلها في الأستوديو، وهذا أخذ عددا من الأيام، وأذكر أن مشاهدتي لعروض المسرح التجريبي لم تكن تتعارض مع وقت الأستوديو الذي يبدأ في وقت متأخر من الليل، وأذكر أيضا أن تكلفة التسجيل بكامل تفاصيلها قد تحملها شاكر الشيخ لوحده، كما أذكر البريكان بصوته الجميل وهو يغني في الأستوديو منتشيا بالتجربة المثيرة، حتى احتفالنا بقدوم الأغاني مسجلة على بكرات كبيرة بعد انتهاء التسجيل، وهي موجودة الآن في أرشيف شاكر الشيخ، أما بعد فكان على الجميع في المملكة أن يندهش ويطرب وهو يستمع إلى الألحان والأغاني والقصائد في ألحان شاكر الشيخ الخالدة. عبد العزيز السماعيل كاتب مسرحي
من قصائد الألبوم "عنب على الشفتين.. أقمار على شبكية العينين.. غيبوبة تفاصيل من الصبوات غيم من تهامة ناهض صوب السفوح.. وفي الأعالي.. كعنقود تدلى أنه قد يحمر أو يصفر أو للتو ما أحمر ولا أصفر لعنقود على الشفتين وعد إنه في موسم الآتين وعد.. إن يكن قد تعتق وأكمام تفتق" للشاعر صالح الصالح