تمر الجامعات السعودية في الفترة الحالية بحالة ركود بعد تلك الفترة من التسابق المحموم لإحراز مراكز متقدمة في التصنيف العالمي للجامعات، حيث إن تلك المعالجة الخاطئة التي أقدمت عليها بعض الجامعات السعودية لم تكن إلا هدرا لجهد ووقت وإمكانات الجامعات دون فائدة، فقد كان واضحا استعجال تلك الجامعات في تحقيق نتائج خلال سنوات معدودة بينما تتطلب مثل تلك المعايير عشرات السنين لتحقيقها، خاصة في جانب البحث العلمي كما في جامعات أوروبا وأميركا التي لها مئات السنين بمراكزها البحثية وميزانياتها ومواردها التي تعادل ميزانيات دول لم تحقق الريادة في التصنيفات العالمية، سواء شنغهاي أو غيرها، إلا نتيجة عمل متواصل وأبحاث ودراسات استمرت عشرات السنين، ونحن نريد أن نقفز من المؤخرة في فترة قصيرة، ونحن في مكاتبنا لم نبذل أي جهد، والأسوأ من ذلك أن تلك التصنيفات تصدر من مؤسسات إعلامية ربحية وليست أكاديمية، ولا تعكس الجودة فيما يتعلق بالمقررات والمناهج وطرق التقويم وهي الأهم. وبعد أن هدأت حمى التصنيف أخذت الجامعات تنحا نحو تحقيق الاعتمادات الأكاديمية، وبدأت حمى المنافسة بين الجامعات لإحراز أكبر قدر من الاعتمادات الأكاديمية وبخطوات غير موضوعية، هذا غير أن تلك الجهات التي تمنح هذه الاعتمادات لها اشتراطات ومعايير قد تتهاون فيها لسبب أو آخر. لذلك يتضح لنا أن هذه الجامعات ليست لديها رؤية معينة بعيدة المدى، والأهم من ذلك أن هذه الجامعات قد تقدم على خطوات غير مقبولة في العرف الأكاديمي كمخرج لأزمة معينة أو إسكات أصوات منتقدة دون حسيب أو رقيب. هذا فيما يخص إدارات الجامعات، أما ما يخص أعضاء هيئة التدريس فهناك تدنٍّ ملحوظ في المستوى العلمي للكادر التدريسي، ففي إحدى الجامعات يذكر لي عميد تلك الكلية أنهم يعانون تدني مستوى بعض الكادر التدريسي السعودي، بل إن بعضهم كما يقول يرفض التعاون مع منسقي المقررات من الكادر الأجنبي، المشكلة كما ذكر لي أنه لا توجد إجراءات حقيقية تتخذ حيال هؤلاء. لذلك هناك غياب تام لمتابعة وتقييم أعضاء هيئة التدريس، وإن وجدت فإنها مجرد إجراء روتيني لا يستند إليه أو يبنى عليه قرار معين، فالتدريس النمطي القائم على التلقين يتكرر كل سنة، بل إن بعضهم له طقوسه الأكاديمية الخاصة التي لا يمكن تغييرها. وكذلك مخرجات التعليم العام الضعيفة هي أحد تلك الأسباب التي أدت إلى ضعف مخرجات أغلب الجامعات من الناحية الأكاديمية، مما يؤكد وجود ضعف وخلل في التعليم العام، مما جعل الجامعات تلجأ إلى إقرار السنة التحضيرية في محاولة متأخرة لتأهيل الطالب للالتحاق بالجامعة. لذلك يجب إعادة النظر في التعليم العام وإصلاحه، حيث إن التعليم العام الجيد والإرشاد الأكاديمي يوجه الطالب إلى التخصص الذي يتناسب مع قدراته من أول فصل دراسي لدراسة التخصص دون الحاجة للسنة التحضيرية، وكذلك يجب على جامعاتنا إعادة دراسة خططها وبرامجها التعليمية والبحثية، والاهتمام بالأستاذ والطالب محوري العملية التعليمية والبحثية، ومواكبة التطور العلمي السريع.