لا تتقدم الأوطان أو تنهض بلا رؤية واضحة؛ فالرؤى الوثابة والطموح هما جناحا الآمال الباسمة، الخفاقان للأعالي. وقوة الأمم تقاس بقوة اقتصادها، والاقتصاد والتنمية يلزمهما التخطيط الواعي الذي يستشرف المستقبل، ويرسم ملامحه وفق التطلعات التي ينشدها، والإمكانات التي يمتلكها، والتي يسعى إلى امتلاكها. وتتضح الخطوات الجادة مع قرار مجلس الوزراء الذي ترأس جلسته خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بتكليف مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي لي العهد الأمير محمد بن سلمان، بوضع آليات تنفيذ تلك الرؤية. ولا شك أن العقول الشابة تنتج أفكارا شابة، والسواعد الفتية ترسم ملامح المستقبل بوعي وجرأة؛ لذا تمتعت تلك الرؤية بوضوح وشفافية، وقراءة واعية للمستقبل بصوت مسموع يتشارك في صناعته الجميع. رؤية 2030 تستهدف تنمية شاملة تستثمر كل الإمكانات والطاقات التي ربما يغفل عنها بعضنا، رؤية تستفيد من موقعنا المميز، وثرواتنا المتعددة، وتضمن حق المواطن في خيرها هو وبنيه من بعده. إنها رؤية طموح، لم تستكن للاعتماد على نعمة النفط مصدرا رئيسا للإيرادات، بل رأت تنويع المصادر التي تحقق وفرة ورفاهة لعموم مجتمعنا السعودي. إنها رؤية إصلاحية جريئة؛ وللإصلاح أحيانا بعض الآلام الموضعية التي نتحملها ابتغاء السلامة، واتقاء الانتكاسة، فرؤية 2030 تعد أكبر خطة تحول اقتصادي وطني؛ إذ تطلق أكبر صندوق استثماري بقيمة 2.7 تريليون دولار. وتسعى تلك الرؤية إلى هيكلة صندوق الاستثمارات العامة، وخصخصة أصول بقيمة 400 مليار دولار، مما سيهيئ استفادة عظيمة بإشراك القطاع الخاص في صناعة التنمية. كما تعمل تلك الرؤية على رفع الإيرادات غير النفطية إلى 100 مليار دولار، مما سيمنح الاقتصاد السعودية مساحات كبيرة من التنافسية والانطلاق، لتحقيق قفزات تنموية هائلة تكون كفيلة باستيعاب طاقات الشباب في الأعمال المختلفة. وحين يكون الشباب هم عماد الرؤية والتخطيط تنجح؛ فمجتمعنا السعودي مجتمع شاب، تُقدر نسبة الشباب فيه ب70%؛ فالشباب هم قلب التنمية النابض، وهم عجلة إنتاجها الفاعلة، وهم سواعد البناء، وحوائط الصد أمام الأعداء، بما يملكون من وعي، وقوة، ونفاذ بصيرة، وصدق إرادَة، وحسن إدارة وتخطيط. "2030" تضع في اعتبارها تحسين مستوى دخل الفرد، وتوفر ملايين فرص العمل، وتراعي معدل النمو السكاني في خطتها التنموية. هي رؤية شاملة، تستخدم معالجات شاملة فعالة، وليست مسكنات مؤقتة، إنها ترسم مستقبلا، وتضع خارطة طريق للنهوض باقتصاد المملكة، بما يحقق لشعبها الرفاهة، ولأرضها الأمن، ولسياستها النجاح، ويعزز مكانة المملكة وثقلها في المحيطين: العربي والإسلامي. "2030" بما تتمتع به من وضوح وشفافية ومصداقية، تتطلب من الجميع أن يتمتع بروحها الوثابَة، وأن يضع نصب عينيه ثمارا يانعة ستجنيها يده ويد أبنائه بالعمل الجاد، والإدراك الواعي. فلنكن جميعا على قدر التحدي والمسؤولية؛ فبنا جميعا تعلو بلادنا وتنهض. فتحية للعقول الوثابة التي لا تعرف العجز، تحية إلى محمد بن سلمان، وفريق عمل مجلس الشؤون الاقتصادية، وتقديرا وعرفانا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، وحبا وفداء لمملكتنا الراشدة.