الآثار الصحية هي انعكاس لحالة ربما تكون أعقد، وأكاد أجزم بأن هذه الرواية قد تنطبق على كل أحد منا، ولو بمستويات مختلفة، إن هذه الحالة هي حالة عصرية مرتبطة بوجود وسائل التواصل الاجتماعي، وحيث إن علماء النفس درسوا سلوكها وأعراضها ومن ثم تشخيصها وأطلقوا عليها حالة "فومو"، وهي اختصار للعبارة الإنجليزية "Fear Of Missing Out" بمعنى "الخوف من أن يفوتك شيء"، إنها حقيقة جعلتني أتأمل وأسقط تلك الأعراض على حالنا، وكيف نحن نحب أن نكون دوماً على اتصال دائم وليس على تواصل!؟ ووجدت أن علينا أن نعترف بوجود هذهِ المشكلة "أو هذا الضياع"، وحيث إن بداية الحل لكل مشكلة هي الاعتراف بوجودها، "إن ما يدفع الشخص إلى الإدمان أيضاً هو الملل الذي يدفعه إلى التواصل والخوف من تفويت أي شيء عليه"، فإذا ما علمنا كيف علينا أن نعالج هذا الملل فإننا بدورنا نتخلص تدريجيا من هذا الأمر، وبعد معرفتي بهذه الحالة أيقنت أننا صرنا مكبلين بقيد هذه المواقع، وأننا نسير إلى ضياع أوقاتنا، وإلى دمار صحتنا، وإلى فقدان عمق تواصلنا الحقيقي مع بعضنا بعضا، مع والدينا عندما نكون بحضرتهم، مع أصدقائنا عندما نكون برفقتهم، ومع أقاربنا وأهالينا عندما نكون معهم، وكيف أنها أوجدت لنا وسائل التواصل حالة انفصال عن الواقع، فتجد أحدنا عندما يستعد للجلوس والبدء في وجبة ما فأول ما يأكل هو الكاميرا بالتصوير، وعندما نسافر نفقد متعة المنظر وحميمية الاجتماع وجمال الطبيعة والمتاحف والمزارات السياحية بسبب التوثيق لتلك المواقع أو الحسابات الإلكترونية، ننسى واقعنا الحقيقي على حساب تلك المواقع الافتراضية، وكيف أننا نهدر تعاطفنا أيضا مع حالات الذين نتابعهم ولا نستطيع أن نقدم لها أو هي تقدم لنا شيئا، تساءلت هل ما نفعله يستحق هذا العناء، يستحق خسارة أوقاتنا وعافيتنا؟ وهل يستحق أن نخسر تواصلنا الحقيقي؟! ما هذا الذي نخشى أن يفوتنا؟ حقيقة أننا من أجل ما نخاف أن يفوتنا من الأوقات هو طاعة لله، لم تؤد بصدق ومكالمة لصلة رحم قطعناها منذ مدة ومساعدة صديق هو بحاجة لنا، وإرشاد تائه، وتطوع بعمل خير، وقراءة كتاب نافع، وصرف وقت في سبيل البحث لاكتشاف علمي أو نشره لنفع البشرية، هذه الأشياء وغيرها من الفضائل هي التي نخاف أن تفوت، أما حالة وسائل التواصل فيجب علينا مراقبة حالنا وأوقاتنا والساعات المهدرة عليها بلا طائل، وإن كان لابد منها فيجب أن نعطيها حجمها القليل، وأن نوقن أنه لن يفوتنا شيء، وإن فاتنا فلأنه قد لا يهمنا، أو قد نجده حين الحاجة إليه. جرب أن تنسى جوالك مرة، ألا تجد خدمة الإنترنت، أن تبتعد لساعات عن أجهزتك وقارن بين حالك قبل وبعد، حتما ستعيد التجربة أو ربما تنتهجها. أخيراً: إذا ما علمت أن النعمتين المغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ، فجاهد أن تحييهما وتحسن استغلالهما، وذلك لصحتك ولطريقك في الحياة وللآخرة، ولعمق وجمال تواصلك الاجتماعي الحق. سؤالٌ يدور: هل سنصل يوما ما إلى البحث عن علاج للحالة المتطورة من هذا المرض إذا ما صنف كمرض نفسي عضال؟! أو هل سنصل يوماً ما إلى الشعور بالغربة الحقيقية عندما نكون مع بعضنا بعضا من والدين وأهل وأصدقاء!؟ اترك الإجابة لكم!.