تفاوتت رؤى الصحف الغربية لدوافع الانسحاب الروسي المفاجئ، بين الرغبة في الخروج من المستنقع السوري، والحصول على تنازلات من الغرب حول قضية أوكرانيا والقرم، إضافة إلى الرغبة في دفع مفاوضات السلام الجارية في جنيف. إلا أن معظمها اتفق في أن التوقيت الدقيق للخروج مع انطلاق مفاوضات جنيف3 يشير إلى أن النظام السوري لن يكون باستطاعته رفع سقفه التفاوضي، ومحاولة الاستفادة من التقدم الذي حققه على الأرض، بفضل الدعم الروسي. الهرب من المستنقع تناولت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية انسحاب القوات الروسية من سورية، مشيرة إلى أنه على الرغم من أن توقيت إعلان بوتين كان مفاجئا، إلا أن بعض المحللين كانوا يتوقعون ذلك، على اعتبار أن إطالة أمد بقاء القوات هناك قد يقود إلى مشكلات غير متوقعة. وذكرت أن الأسد ومساعديه أظهروا بشكل متزايد عدم استعدادهم للتفاوض من أجل تسوية سياسية في سورية، وهو الأمر الذي قد يكون أغضب الحلفاء الروس. ونقلت عن المتخصص في السياسات العربية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أندرو تابلر، أن القرار الروسي جاء في اليوم نفسه الذي بدأت فيه محادثات السلام التي ترعاها الأممالمتحدة في جنيف وفي غياب النصر الحاسم لقوات الأسد، مما يدل على أن موسكو ربما ليست مع الأسد حتى النهاية. وأضافت أن وسائل الإعلام الروسية كانت تعتبر أن التدخل العسكري في سورية دليل على أن موسكو استعادت دورها كقوة عسكرية عالمية، لكن قرار بوتين أصابها بالصدمة. واعتبرت أن الانسحاب المفاجئ قد يسمح لبوتين بتجنب مخاطر التورط في الصراع عسكريا وعلى مستوى العلاقات العامة، فالمهمة الناجحة لروسيا قد تتحول إلى مستنقع مكلف للأرواح والأموال والكرملين من الناحية السياسية. مخاطر الإرهاب تشير صحيفة وول ستريت جورنال إلى أن موسكو تأمل، بعد أن قدمت مساعدات كبيرة لحليفها الأسد، مكنته من استرداد جزء من المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة، انتزاع تنازلات من الولاياتالمتحدة وأوروبا، فهي تريد من الغرب أن يخفف عقوباته عليه. كما أن الانسحاب قد يكون محاولة من جانب بوتين لمنح أوباما غطاء دبلوماسيا يعينه على إعادة ضبط العلاقات بين البلدين قبيل مغادرته البيت الأبيض. وخلصت الصحيفة إلى أن التدخل الروسي لم يُنه الحرب الأهلية في سورية، وأن تنظيم داعش لا يزال يسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد. وأردفت قائلة إن مكافحة الإرهاب لم تكن يوما غاية بوتين، فقد أراد أن يُظْهِر للعالم أن روسيا تقف إلى جانب حلفائها، وأن ينتزع نفوذا جديدا لبلاده في الشرق الأوسط وأوروبا. ترحيب روسي أكدت صحيفة كومرسانت الروسية أن موسكو كان يمكن أن تغرق في مستنقع هذه الحرب، إلا أن بوتين أعلن سحب قواته العسكرية، وباتت لديه حجج قوية ليقول إن حملته في سورية انتصار له. وتابعت أن موسكو لم تكن تهدف إلى تحرير كل الأراضي السورية، وهو ما يمكن أن يستغرق سنوات دون أي ضمانات بتحقيق نتيجة إيجابية. بدورها، أوردت صحيفة "فيدوموستي" أن روسيا بدأت حملتها ضد تنظيم داعش في سورية أساسا "بهدف التقارب مع الغرب أولا، ثم المساعدة على إطلاق محادثات السلام". كما أشارت صحيفة "إيزفستيا" القريبة من الكرملين إلى أن "سحب القوات الروسية يضع حداً للتوتر الذي تثيره الغارات الجوية الروسية، والانسحاب يظهر أيضا أن الجيش السوري بات قادرا الآن على مواجهة قوات تنظيم داعش بنفسه". وأشارت صحيفة "موسكو فسكي كومسموليتس" إلى أن بوتين فاجأ العالم بهذا القرار، مثلما فعل عند إعلانه إرسال القوات إلى سورية. وقالت "رغم أنه من السابق لأوانه الحديث عن النتائج النهائية لدور هذه القوات في سورية، فقرار سحبها يجب الترحيب به. لقد تمكنت روسيا من الإفلات من الفخ السوري الذي ربما كانت عواقبه على البلاد نظريا أسوأ من حرب أفغانستان". زيادة الضغوط صحيفة "لو بوان" كتبت بدورها بعنوان "طائرات مقاتلة روسية تبدأ مغادرة سورية"، وأوردت أن القاذفات الروسية بدأت أمس العودة إلى موسكو، في أعقاب إعلان سحب معظم القوات السورية، وأشارت الصحيفة إلى ترحيب مبعوث الأممالمتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، بالإعلان، ووصفه بأنه "تطور مهم"، وأعرب عن أمله في تأثير إيجابي على سير المفاوضات، كما رحبت المعارضة بالقرار، مع التحذير من كونه "خدعة" من الكرملين. ونوهت الصحيفة إلى أن هذا التراجع التكتيكي للجيش الروسي يطرح مشكلة مستقبل الأسد، التي لا تزال دون حل. في السياق ذاته، قالت صحيفة "20 دقيقة" إن الفنيين الروس بدؤوا إعداد الطائرات للرحيل إلى قواعدها في موسكو، وتساءلت عما إذا كان قرار بوتين سيؤدي لزيادة الضغط على نظام بشار الأسد للتفاوض لإنهاء الحرب؟ وأضافت "20 دقيقة" أن الغرب استقبل القرار بحذر. فسحة تفاؤل قالت مجلة فورين بوليسي الأميركية إن إعلان روسيا أمس الإثنين انسحابها العسكري من سورية يوحي بأنها تنشد لنفسها مخرجا من الصراع هناك، وربما يفتح المجال أمام تشكيل حكومة يقودها شخص آخر غير بشار الأسد. غير أن مسؤولين أميركيين حذروا من أن موسكو لم تشرع بعد في نقل معداتها وآلياتها العسكرية، ومن ثم فإنه من السابق لأوانه تقدير حجم القوات التي سيبدي الرئيس فلاديمير بوتين استعداده في نهاية المطاف لإعادتها إلى بلاده. ورأت المجلة التي تُعنى بالسياسة الخارجية وتتمتع بتأثير على صانعي القرار في واشنطن، أن الانسحاب قد يعني نهاية الدعم الروسي غير المشروط للأسد، ويشيع فسحة من التفاؤل بحل دبلوماسي يضع حدا ل"المجزرة البشعة" في سورية، حسب وصفها. وذكرت المجلة أن النظام استصحب معه المكاسب العسكرية التي حققها بفضل الدعم الروسي إلى طاولة المفاوضات الجارية حاليا في جنيف، التي بدا أنها على وشك أن تنحرف عن مسارها قبيل إعلان بوتين المفاجئ. تليجراف: لحظة مفصلية وصفت صحيفة "ديلي تليجراف" البريطانية، على قرار سحب القوات الروسية من سورية بأنه "لحظة مفصلية" في الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد. وأضافت "القرار شكل مفاجأة للولايات المتحدة والغرب، لأنه جاء في الوقت الذي تتواصل فيه المفاوضات بين ممثلي نظام الأسد ووفد المعارضة في جنيف". مشيرة إلى أن القرار في حال تنفيذه سيكون علامة واضحة ومؤكدة على رغبة روسيا وضع حد للصراع في سورية، والذي تسبب في قتل أكثر من 300 ألف شخص وشرّد الملايين. وأضافت أنه رغم تأكيد موسكو أنها حققت أهدافها "بمحاربة الإرهاب" في سورية، إلا أن تنظيم داعش لا يزال يسيطر على ثلث مساحة البلاد، إضافة إلى مساحات كبيرة من الأراضي المتصلة بالعراق. حذر فرنسي تساءلت صحيفة لوفيجارو الفرنسية في مقال للمحلل جورج مالبرونو بعنوان "سورية: بوتين يعلن بداية انسحاب القوات الروسية" عما إذا كان قرار الانسحاب الروسي حقيقة أم أنه مجرد مناورة تكتيكية، لا سيما أنه تزامن مع اليوم الأول من انطلاق محادثات جنيف لإكمال عملية انتقال سياسي في سورية، كما أشارت إلى غموض حول الموقف من محاربة التنظيمات الإرهابية، مثل جبهة النصرة وداعش؟ وقالت الصحيفة إن هذا الإعلان سيكون مناورة للمضي بمحادثات جنيف إلى نتائج حقيقية، حيث تسعى موسكو إلى تقوية موقفها في المفاوضات حول مستقبل سورية، ووصفت بوتين بأنه هو الذي يحدد وتيرة الأزمة السورية.