تحتفي مبادرة "21،39 فن جدة" التي يقدمها المجلس الفني السعودي هذا العام، بالأرض، في معرض يرتحل فيه الزائر خلال أقسام أربعة ليشاهد رؤية أكثر من 38 فنانا وفنانة محليين وعالميين عن الأرض وما تمثله لهم، من عطاء وجمال، وما يحدث اليوم على هذا الكوكب الذي نعيشه، متجاوزين إلى ال"ما بعد" ليصوروا خيالاتهم لوصف الحياة الأخرى. وتستقبل زوّار المعرض "السحابة" وهي عمل للفنان "باسكال مارتين تايو" والتي تمثل نقطة الانطلاق ليتبعها قسم "عطاء الأرض" الذي يمثل دور الأرض في نقل الإرث الإنساني ومعناه بأعمال للفنانين، الذي قدموا مفهوما مختلفا للنقوش التي خلفها رجل الكهف. نقوش وقط الفنانة علا حجازي قدمت تصورا للنقوش التي ستكون لإنسان الكهف إذا ما كان يعيش داخلنا اليوم، تظهر من خلالها كل الأدوات الحديثة، التي يرتبط بها الإنسان المعاصر، فيما قدمت مديحة العيجروش صورة لنقوش حجرية في نجران، ويحتوي القسم على لوحة تمثل فن القط العسيري بمشاركة مجموعة فنانات من عسير، وسجادة صنعت بفن السدو، وبلوحة للفنان عبدالله حمّاس بأسلوبه التجريدي المعروف الذي صوّر بها أرضيات المزارع بعد قص المحصول بإشارة إلى الأرض كمصدر للإنسان. تقول الفنانة زهرة الغامدي التي قدمت عملا جذب انتباه بعض الزائرين وحاورها زوار المعرض باختلاف جنسياتهم ولغاتهم: "حاولت من خلال عملي تحويل خلايا الأرض التي لا تُشَاهَد بالعين المجردة، إلى هذا العمل الذي عنونته ب"نسيج حي"، ليشاهد الجميع أساس الأرض، ولأترك للجميع حرية تخيل هذه الخلايا التي قد تكون جبلا أو سهلا أو حتى واديا عميقا".
الاختلاف يقود للوحدة للحديث عن تنوع الأعمال الفنية ووجود فنانين من بيئات مختلفة، يوضح أحد منسقي المعرض وعضو المجلس الفني السعودي، حمزة صيرفي: "هدفنا هو نشر ثقافة التنوع لنوضح بأن اختلافنا وتنوعنا هو ما سيقودنا للوحدة"، وأشار إلى أن هذه الفكرة يمكن إسقاطها على المجتمع العالمي بأننا كبشرية نتوحّد للأهداف السامية، لمواجهة جميع القضايا التي تُستحدث كل يوم على كوكبنا، مثل قضايا البيئة والطاقة، ومحاربة الاستهلاك، وغيرها. ويتطلع الصيرفي إلى أن يثير عنوان المعرض الوعيَ اللازم، وأن يلهم الحراك التشكيلي على التطور بتمازج كل هذه التجارب باختلافها. فيما قالت منسقة المعرض عضوة المجلس الفن السعودي، منى خزندار "الفعاليات الفنية هذا العام تدعو الجميع إلى التفكر في العلاقة الإنسانية مع كوكب الأرض، واستكشاف تلك العلاقة الحساسة في الأعمال الشخصية التي يشارك بها كل فنان في الفعاليات، واستشعار ارتباطهم الوثيق بالبيئة والإحساس المرهف لكل منهم بهويته وجذوره". يذكر أن معرض "الأرض وما بعد ذلك" من تصميم وإشراف منى خزندار وحمزة صيرفي، وتشمل مبادرة 21،39 فن جدة، التي يقدمها المجلس الفني السعودي، وهي مبادرة غير ربحية، العديد من المعارض الفنية والثقافية والاجتماعية في مختلف أنحاء مدينة جدة، وتستمر ثلاثة أشهر حتى مايو المقبل. اللاجئون في الأرض خلال المرور بقسم "حالة الأرض" نشاهد كيف غلب على هذا القسم تكرر وجود بالخريطة في أعمال مجموعة من الفنانين باختلاف خلفياتهم وجنسياتهم، فالخريطة تمثل للإنسان المعاصر وحدة الأرض، والقسم أيضا احتوى على أعمال متنوعة من فيديو للفنانة الفلسطينية سهى شومات التي تحدثت عن أرض جدها التي دمرها الاستيطان، بينما قدمت منى حاطوم خريطة العالم مكونة بها شبكة معلقة على الحائط بجانب خريطة فلسطين، فيما قدم محمد حيدر عملا حاول به قراءة مستقبل العالم الذي لو استمر الإنسان في تدميره ستتحول كل قارات العالم إلى مخيمات للاجئين، مع وجود أعمال عنوانها الحنين، متملة في عمل الفنان بطرس المعري الذي قدم من خلال لوحة "هنا دمشق" محاولة بسيطة لجمع كل ذكريات الشام بأماكنها وشوارعها وأكلاتها وكلماتها المشهورة، ميادينها ومدنها وضواحيها، ويقول ل"الوطن": "لست مؤرخا فأنا لم أحاول التوثيق فمن يريده يجده في كتب التاريخ، أنا فقط أدون حنيني لدمشق". وهناك أعمال تحاول أن تشرح مدى القدرة التدميرية للإنسان على هذا الأرض من خلال تحوله لكائن استهلاكي، ليقابله في قسمي "أرضنا الجميلة" وال"ما بعد"، أعمال تحاول مخاطبة الخيال، توقف عندها الزوار كثيرا بنقاشات لا تنتهي بمفهوم الأعمال وتصورات الزوار، يقول الفنان راشد الشعشي: "شاركت بعمل يدعو للتفكير بنطاق مختلف في محاولة لمحاكاة انعكاس الصورة النمطية واستخدام وسائل مختلفة لتحديد رموز الحياة اليومية".