قناة فضائية تتبنى خطا إعلاميا محافظا، وتوجها هادفا، أو هكذا سوقت لنفسها أمام المجتمع. ظهر من خلالها أحد الوعاظ، وبعد أن تناول وجبة دسمة كانت معروضة أمامه، وبعد أن شبع وامتلأ البطن. أعلن بكل هدوء: "أن للزوج الفضل على الأب، لأنه حمل عنك الهم، وحمل عنك العار".. منذ متى والآباء والأجداد الأسوياء ينظرون إلى بناتهم على أنهن هم ثقيل، ينتظرون الفرج بإزاحته إلى الزوج المنتظر؟! فإن "مررنا" هذه، فإن الدين والعقل والفكر عند كل أب سويِّ يحول دون أن يرى ابنته عارا عليه، يعيش ليله ونهاره مشغولا في الذود عن عاره (ابنته)؟! لا يمكن أن نجد تبريرا منطقيا لهذه السقطات التي بدأت تتناثر في الفضاء الإعلامي من أفواه من يفترض فيهم أنهم تجاوزوا تلك العقلية السطحية، ومن يفترض أنهم يمتلكون من العلم والحكمة ما يحول بينهم وبين "الطوام" التي لا يمكن أن يقع بها مبتدئ في مسالك العلم، فضلا عمن يقدمون أنفسهم كدعاة ومشايخ، وقبلها حملة شهادة الدكتوراه ! إلا إن كان كل ذلك وهما منسوبا إلى وسم هلكوني! لا أعرف ما قصة هذه القناة وضيوفها من الوعاظ الذين لا يألون جهدا في الانتقاص من المرأة، فقبله أحدهم يقول: "إن المرأة تكفيها 400 ريال يجود بها الزوج، مستنكرا عمل المرأة وحاجتها للعمل". لكن الجميل أن هذا الاقتراب يكشف ما يختبئ خلف المناظر، فيظهر المخبر متجردا من التنميق ليبرز أمامنا كما هو على حقيقته التي تكشف خللا كبيرا ينبئ عن سطحية وسذاجة تنفيان أن يكون أمثال هؤلاء قادة للرأي، أو رموزا للإصلاح الاجتماعي. لا يمكن إطلاقا أن تكون هذه الطوام مجرد زلات لسان، أو أن المعنى المقصود ليس ما فهم! وأن المعنى المقصود شيء آخر غير ما فهمه الناس !! كما بررها صاحب المقولة الشهيرة السابقة. سيبقى المجتمع السوي يرى بناته شقائق الرجال يفخر بهن، ويعمل من أجلهن ويفتح لهن فرص التعليم والعمل، والمشاركة الإيجابية في الحياة. بينما سيتلاشى الصوت النشاز أيا كان صاحبه، وما ردة فعل الناس المستهجنة لمثل هذه الأقوال ورفضها وانتقاد أصحابها إلا دليل على ما يتمتع به المجتمع اليوم من وعي وعقلية متحضرة تجاوزت الجهل والجاهلية معا إلى العلم والمعرفة.