تشير الأستاذة المحاضرة في علم الاجتماع في جامعة باريس ديرو، جول فالكيه، إلى كثير من الفوارق التي تتعمق بين الرجال والنساء في معرض تأكيدها على اللامساواة التي تسود العالم، وذلك في بحث نشر في كتاب "عالم اللامساواة" الذي أصدرته مؤسسة الفكر العربي كترجمة لكتاب "أوضاع العالم 2016". وتقول فالكيه "بعد 5 عقود من نضال حركات النساء في العالم، وبعد مرور 20 سنة على المؤتمر العالمي الرابع حول النساء الذي انعقد في بكين عام 1995، والذي دفع المؤسسات الدولية والحكومية لتبني جملة تشريعات وسياسات ترمي للمساواة بين الجنسين، ولا سيما في إطار "التنمية"، تبدو الصورة مشوشة وغير منصفة. ومنذ مؤتمرها العالمي الأول حول النساء عام 1975 شجعت منظمة الأممالمتحدة على جمع المعلومات حول الجنسين، لكن الأمر الواقعي يؤكد أن امتيازات الرجال تظهر ظهورا بديهيا في مجالات مثل القوانين التي تحكم الوصول إلى الموارد والملكية، والميراث، والزواج، وكذلك البنوّة والتحدّر أو المواطنية. وكثير من الأرقام التي يُفترض أن تقيس رفاه النساء، أو ما يعشنه من أوضاع المساواة، هي أرقام خادعة، فإذا كان استقلال النساء الاقتصادي الذاتي، مطلبا نسويا قديما، إلا أن المؤشرات المستخدَمة لاحتسابه، مثل مؤشر سوق عمل الإناث لا تقيس ولا تروج إلا لتشغيل النساء، من دون الاهتمام بشروط العمل أو مستوى الأجور". ثلث الفتيات في 21 دولة يعانين فقر الدم العمل الذي يُطلق عليه اسم أو توصيف "المنزلي" ويشمل العناية والرعاية يظل ملقى، وإلى أبعد الحدود، على عاتق المرأة والفتيات الصغيرات. وأمل النساء بالحياة في مجال الصحة هو أرفع من أمل الرجال بكل تأكيد، غير أن سنواتهن الأخيرة من العمر غالبا ما تكون سنوات بؤس، باعتبار أن أجور تقاعد النساء هي أدنى قيمة، أو تكون غير موجودة أساسا. وكثيرات منهن يهرمن وحيدات ومريضات. فالحق أن غالبية النساء يتعرضن لنقص التغذية مقارنة بالرجال، منذ الطفولة، وكثيرات منهن يمضين جزءا بارزا من حياتهن في حالة نقص غذاء. والحال هو أنه إذا كانت منظمة الصحة العالمية تُخبرنا بأن شخصا واحدا من كل 9 أشخاص في العالم هو شخص يعاني قصور التغذية، فإن المعطيات الإحصائية حول الوصول إلى الغذاء بحسب الجنس هي نادرة وجزئية، وهذا على الرغم من وجود تفاوتات صاعقة في هذا المجال. وهكذا، فإننا نجد أن أكثر من ثلث البنات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 سنة، في 21 بلدا من بين 41 بلدا تتوافر إحصاءات عنها، يعانين فقر الدم. وهناك 15% من النساء البدينات وفقا لمنظمة الصحة العالمية مقابل 11% للرجال (40% يعانين إفراط الوزن مقابل 38% للرجال)، والملاحظ، ويا لسخرية القدر، أن نصف مليون من النساء يتوفين كل عام بتأثير مرض انسداد الرئة الذي يصبن به إبان تحضير الطعام للآخرين على "سخانات تقليدية" ذات أبخرة مضرة بالصحة. مكاسب النساء أقل ب25 % من الرجال في فرنسا مسألة تساوي الجنسين أصبحت أداة مهمة لإضفاء الشرعية على الحكم بالنسبة إلى الحكومات، وبعض التفاوتات الصارخة في بعض البلدان (مثل ختان الإناث) تتيح إلى بلدان أخرى اتخاذ وضعية الواعظ، أو مانح الدروس، كما أن "حقوق النساء" اتخذت تبريرا أحيانا لعدد من الحروب الاستعمارية الجديدة، أو السياسات القمعية ضد الأقليات العرقية والطبقات الشعبية. ويطرح قياس التفاوتات بين الرجال والنساء أسئلة كثيرة، أولها: من هو المنطلق لمعاينة التفاوتات؟ وفي معرض الإجابة نجد أن كسب النساء هو أدنى ب25% مما يكسبه الرجال في فرنسا اليوم. لكن الرجال يكسبون من وجهة نظر النساء أكثر منهن بنسبة 30%. ثمّ إن هناك فوارق عميقة إضافية بين النساء والرجال مردها "العرق" والطبقة الاجتماعية، والطبقة، والصنف والسن، وقوميتهن، ودينهن، أو حالتهن الصحية بخاصّة. وثمة مثال مألوف هو المقارنة بين الولاياتالمتحدة والبرازيل، حيث توجد إحصاءات تدعى "عرقية" أو "سلالية" لأوضاع النساء البيض وأوضاع الرجال البيض، وكذلك للنسوة السود ومن ثم للرجال السود، أو النسوة والرجال من الشعوب الأصلية أيضا. فأيّ نساء يمكن أن تُقارَن مع أيّ رجال؟ أتكون تفاوتات الجنس موائمة ملاءمة وذات دلالة لكلهم ولكلهن؟ ويعد مجال العمل مفهوما وسعت الأبحاث النسوية كثيرا من مداه ومدلوله، والتفاوتات فيه صارخة، فالرجال على وجه الإجمال يربطون أشخاصهم ويبالغون، بعملهم المأجور، حيث يكسبون منه بأكثر مما تكسب النساء، وحيث يجدون أنفسهم في وضعية السلطة عليهن وبالنسبة إليهن. أما النساء فإنه لا بد لهن من مواجهة مواقيت العمل وساعات دوامه والبرامج الزمنية، ومن مكابدة منطق السيرة المهنية التي جرى وضعها والتفكير فيها من أجل الرجال الذين لا يزالون يعفون أنفسهم من العمل المنزلي. وفي سوق العمل لا تزال النساء يتعرضن لتمييز شديد: فهن مُبعدات إلى عددٍ ضيق من المهن ال"نسوية" أو ال"أنثويّة"، ولكنها متدنية القيمة عموما، وغالبا ما تكون هشة وغير رسمية ومن دون حماية نقابية. وهن يتعرضن، وعلى نطاق واسع، للعمل بالدوام الجزئي المفروض، وللتسريح بسبب الأمومة، ولعدم الترقية في العمل، وللتحرش الجنسي. أما أجورهن فإنها غالبا تكون موضوعة على أساس التصور بأنها أجور "إضافية للمؤازرة"، في حين أنهن يكن المسؤولات الوحيدات عن الأسرة. %6 من الناس يتعرضون للاعتداء الجنسي وهم قصر تعاني النساء أكثر من الرجال، وبفعل الرجال خاصة، من العنف الجسدي والجنسي، في داخل بيوتهن. وتقدر الاعتداءات الجنسية على القاصرين والقاصرات مع اتصال جنسي تناسلي بما يتراوح بين 5% و6% من الناس، على أن الضحية هي، في كل 7 مرات من أصل 10، فتاة قاصرة في ال10 من العمر أو ما دون ذلك، وتَعرِف المُعتدي عليها، والذي هو من الذكور. ولا تزال غالبية الرجال تواصل الهرب من كل مسؤولية في ميدان منع الحمل أو الوقاية من الأمراض المعدية جنسيا. بل أكثر من ذلك فكثيرون يواصلون فرض الأمراض والحمل على زوجاتهم، أو عشيقاتهم أو بناتهم. وثمة رقم آخر ينبغي التذكير به، وهو لا أقل من 289 ألف امرأة قضين نحبهن عام 2013 إبّان الحمل أو بعده أو إبان الوضع. ومن أشكال اللامساواة كذلك التفضيل الاجتماعي للأبناء، والممارسة الواسعة النطاق للإجهاضات المتنخّبة، (الإجهاض إذا كان الحمل بأنثى)، وهو يؤدي بالعديد من المناطق في العالم إلى اختلال المعدلات الجنسية المثيرة للقلق، ففي حين أن المعدل العالمي لجنس الولادات الجديدة هو 105 صبيان مقابل 100 بنت، فإن المعطيات التي تم جمعها عام 2010 تشير إلى قريب من 115 في أرمينيا، وحوالى 117 في أذربيجان، و118 في الصين. وكذلك فإن الصبيان يحظون بالترجيح ذاته في التربية، فالعائلات ترسلهم إلى المدارس وإلى الفروع الأكثر مهابة والأجزل أجورا، راضية بتقديم التضحيات في سبيل دراستهم، بما في ذلك عمل الأمهات والأخوات الإضافي. كما يمكن القول إن تحرش الصبيان والأساتذة الجنسي بالفتيات يفلت في كل مكان تقريبا من المساءلة، بحيث يبدو هذا التحرش أمرا يسيرا، بل طبيعيا. أما في المجال السياسي فإنه على الرغم من تبني بعض البلدان نظام الحصص المفروضة (الكوتا)، وعلى الرغم من قوانين التكافؤ والمساواة، وتسلم بضع من النساء أرفع المسؤوليات، فإن الرجال لا يزالون يحتفظون بما يشبه الاحتكار للتمثيل العام ولسلطة اتخاذ القرار وما يواكب هذا من قدرة على الإثراء. والحال هو نفسه في المؤسسات العسكرية والدينية، وفي غالبية المؤسسات والمشروعات العابرة للحدود والأوطان، ونتيجة لهذا، فإن الموازنات والسياسات العمومية، والخيارات الطاقوية والإنتاجية والدفاعية، هي خيارات يقررها الرجال بأنفسهم، ولمصلحتهم. الحروب والإرهاب والهجرات تزيد معاناة المرأة تنتشر في العالم الحالي النزاعات والاعتداءات المسلحة، حرب ضد الإرهاب، والاتجار بالمخدرات، أو الهجرة غير المشروعة، والنزاعات التي توصف، خداعا ومخاتلة، بالعرقية أو الطائفية، في حين أنها حروب الاستيلاء على الموارد. بالنسبة إلى كثيرين ممن لا امتيازات لهم أو لهن، فإن سوق العمل يتلخص بالخيار بين "رجال تحت السلاح"، أو "نساء في الخدمة"، والخدمة هذه تكون من الخدمة المنزلية إلى البغاء مرورا بالرعاية والعناية. وإذا كان غالبية الموتى والجرحى هم من الرجال، فإن الذين ينبغي عليهم مواجهة الترمل وفقدان الأمن والتفكك الأسري والخوف والآلام اليومية التي يتسبب بها العنف العسكري، هُم في غالبيتهم العظمى من النساء. والنساء هن المعنيات بإدارة وتسيير حقبات ما بعد الحروب المؤلمة، والمكلفات بإعادة رتق وترقيع وترميم النسيج الاجتماعي، من دون أن يكون في حوزتهن من الأدوات شيء سوى تصميمهن وقيمهن الخلقية.