تفرض التحديات التي تواجهها الأمة الإسلامية بوجه عام، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص الحاجة الملحة إلى تكوين تحالف إقليمي ودولي يعمل على مكافحة الإرهاب بكل صوره سواء الإرهاب الفكري وتطرف الخطاب الديني أو الإرهاب المادي، الذي يستبيح دماء المعصومين ولا يفرق بين الشيوخ والأطفال والنساء والشباب، لذلك فإن ما يشهده المجتمع الإسلامي من حرب شنعاء الغرض منه المساس بالإسلام الوسطي ووصفه بما ليس فيه، لا بد أن يواجه بكل قوة وحزم، فليس الإرهاب "داعش" فقط، بل كافة صور العنف المبني على أساس ديني تمثل في ذاتها نموذجا للإرهاب. وقد استطاعت المملكة العربية السعودية بما لها من مكانة ودور ريادي في المنطقة العربية والإسلامية أن تدعو إلى تحالف إسلامي عسكري ضد الإرهاب، سرعان ما حظيت بالقبول والتلبية السريعة من قبل (35) دولة سعيا من أجل مكافحة الإرهاب بشكل جماعي وبإطار تنظيمي أكثر فاعلية من تلك الجهود الفردية. ولا شك أن تبني هذا التحالف من قبل المملكة العربية السعودية كدولة كبيرة تحظى باحترام كامل من كافة الدول سوف ينعكس أثره الإيجابي في مواجهة هذا التحدي الخطير، وبخاصة في ظل ما سوف يوفره هذا التحالف من دعم مادي وتقني وبشري على كافة المستويات، ولعل اختيار الرياض مقراً لمركز العمليات من شأنه أن يضفي نوعاً من الفاعلية على هذا التحالف، ولكن التساؤل المهم الذي يبحث عن إجابة يكمن في مدى كفاية القوة العسكرية لمواجهة الإرهاب؟ فإذا كان التحالف الإسلامي العسكري ضد الإرهاب يعد خطوة جيدة نحو المكافحة الفاعلة التي تحتاج تضافر الجهود والتعاون المثمر لإيجاد حل حاسم وباتر للإرهاب بكافة صوره، إلا أن هذا التحالف في حقيقته يجب أن يواجه منطلقات الإرهاب الفكرية أيضا. بمعنى أن التحدي الحقيقي هو اقتلاع الأفكار الشاذة من جذورها، وهذا يقتضي إعادة النظر في الخطاب الديني، وتغيير نمط الوسائل الإعلامية الدينية التي أصبحت لا تتناسب مع تطور العصر في ظل التقنيات الحديثة من وسائل تواصل اجتماعي تتنوع من خلالها الأفكار والرؤى، فضلا عن إعطاء مساحة واسعة للشباب للتعبير عن الرأي والرد على تساؤلاتهم بدون استخفاف بعقولهم، بل وتشجيع الشباب على إبراز مكارم الأخلاق وسلوكيات المسلم الحقيقي ونبذ العنف، وإعطائهم مساحة إعلامية مناسبة، وتجديد الوجوه التي اعتاد عليها الناس في استيفاء المعلومة الدينية، وبخاصة تلك الوجوه المتشددة في أفكارها والتي تلجأ دائما إلى وسائل الترهيب أكثر من وسائل الترغيب، وهو ما انعكس على كثير من شبابنا بالسلب وأدى إلى اضطراب نفسي وعقلي في ظل مقارنته بما هو كائن وما يجب أن يكون. لذلك علينا أن نواجه الإرهاب ليس فقط بالقوة العسكرية كوسيلة ردع علاجية، بل يجب أن يسبق ذلك أو يتزامن معه عدة وسائل أخرى وقائية.