تعج وسائل التواصل بتغريدات ورسائل واتس آب وصور انستجرام تهاجم وتسخر باستمرار من تصريحات بعض الوزراء ومخططاتهم وأساليب إدارتهم لوزاراتهم، ولا تنسى ما يدور في صبيحة كل يوم في ردهات العمل والمكاتب من أحاديث لا تكاد في الغالب تخلو من تهويل تلك المشكلات، أحاديث مشابهة بأريحية أكبر تضج بها عشية اليوم عند زيارتك للديوانيات ومجالس المناسبات والاستراحات. كل ما يجري وتنطقه الألسن وتتداوله شبكات التوصل بهذا الصدد يُطرح تحت مسمى "النقد"؛ إن كان كذلك فأهلاً بالنقد الذي يوجه للنظر في الخلل ويوضح النقص ويفند الخطأ ويعالجه بموضوعية مقروناً بالبراهين، ذلك النقد الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الملك الوالد سلمان بن عبدالعزيز حينما قال: "رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي"، ليؤكد أن الأبواب مفتوحة والآذان صاغية للنقد البناء، والمتمعن في ذلك يجد أن الملك بحكمته المعهودة وضع منهجاً مختصرا وواضح المعالم للإعلاميين والكتاب وعموم المواطنين في التعاطي مع الإدارة العليا في البلاد للوصول إلى التكامل وتحقيق المصلحة. ولكن مع بالغ الأسف ما يسود المشهد حريٌ بي أن أصفه -وأرجو ألا أكون قد بالغت- بأنه أبعد ما يكون عن النقد، ويظهر ذلك حينما البعض يقلل من الجهود المبذولة في بعض الوزارات والقطاعات الحكومية، خاصة في ظل غياب معايير تقييم صحيحة وواضحة لا مجرد مقترحات هزيلة لا تقوم على أسس ومعطيات وفهم لطبيعة القضية، مع حلول بسيطة إلى حدٍ مضحك مبكٍ، هل يعد هذا نقداً؟ ففي "تويتر" أسهم البعض في توفير بيئة خصبة لتكاثر أولئك الذين لا يكفون عن الهجوم على الوزراء بضراوة، تصل أحيانا إلى التجريح في الشخوص، ينتشرون على جبهات وأطراف حَلَبَة المصارعة التويترية ويتواجدون بنشاط في "الهاشتاقات" مسايرةً لموجة هجوم على أحد الوزراء تحت شعارات لا يعلمون ماهيتها ودون فهمٍ لنقطة الاختلاف مع ذلك الوزير أصلا! الأدهى والأمرّ عندما ترى دعوة لإعفاء وزير بعد شهور قلائل من تعيينه بحجة أنه ليس رجل المهمة لهذه الوزارة من خلال "تصريح" مثلا! ولعل الجميع شارك في التعليق على حادثة كهذه وأظن أن العلة من الجانبين، فمن ناحية الوزير من غير الحكمة بالطبع أن تظهر عبر وسائل الإعلام لتقول للمواطن ما لا ينتظره منك، عندها من الطبيعي أن تتسم ردة الفعل بالغضب، ولكن من غير العدل أن نحاسب الوزير وكأنه أداة سحرية تغير الواقع في وقت وجيز، ويجب أن نقرضه مزيداً من الوقت، وهنا أؤيد قولاً مأثوراً للدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- حينما ذكر أنه من الصعب للوزير أن يحقق إنجازات تذكر في أقل من خمس سنوات. في الختام أعتقد أنه علينا التحلي بالحكمة، وأن ننظر للأمور بكافة أبعادها، وأن نسعى إلى فهم واستيعاب جوانب القضايا والملفات قبل التسرع في إصدار الأحكام بحق بعض الوزارات والقطاعات ومن هم على رأس إداراتها، لنصل إلى موضوعية النقد، ونسهم في حل بعض العوائق والمشكلات بعيدا عن سطحية الاعتراض وهمجيته.