رغم مرور أكثر من أسبوعين على تصريحات وزير الإسكان الشهيرة فيما يخص ثقافة السكن والتي فهمت بشكل خاطئ واجتزئت من سياقها على طريقة (ولا تقربوا الصلاة) إلا أن عاصفة النقد الذي وصل إلى حد (الطقطقة ) غير المقبولة لم تهدأ لتكشف لنا عن قدرات (تنكيت) هائلة لدى المجتمع السعودي الذي طالما وصفه البعض بالجلافة، لكن مواقع التواصل الاجتماعي غيرت هذه الصورة ومنحت مساحة رحبة لصناعة الفكاهة المحلية المتكئة على قاعدة المضحك المبكي، وبين الفينة والأخرى تمنح تصريحات بعض المسؤولين وقودا لا ينضب لروح النكتة المتقدة التي ما هي إلا قشرة رقيقة تغطي كمية إحباط وصدمة من القصور في الخدمات لدى بعض الجهات الحكومية. وكان برنامج مع الناس على القناة السعودية الأولى وبرنامج صوتك وصل على إذاعة جدة من أوائل البرامج التي اقتربت كثيرا من هموم المواطن البسيط، وجاء مسلسل طاش ماطاش ليطلق نوعا جديدا من الدراما الناقدة، تلته برامج التوك شو كبرنامج ياهلا وبرنامج الثامنة لتضيف المزيد من الروح النقدية التي لم يعتد عليها المجتمع، لكن قنوات اليوتيوب الساخرة الحالية وتويتر رفعت مستوى الوعي والنقد الشعبي بشكل غير مسبوق، وإن كانت مادته الأساس المبالغة والسخرية إلا أنه بات واحدا من أهم أدوات قراءة المزاج العام وتوجه الضمير المجتمعي. فأصبحت قنوات اليوتيوب ذات التوجه النقدي الساخر قادرة على استقطاب مشاهدين بالملايين بل إن رجل الشارع العادي بات قادرا على استحضار النكتة والنقد بعد أن رأى أن كثيرا من المنابر الفكرية والإعلامية لا تلامس قضاياه ومعاناته اليومية، ولا شك أن ملف الإسكان واحد من أهم تلك القضايا التي خلقت هذه الروح النقدية التي عجت بها مواقع التواصل الاجتماعي الذي بات هو العالم الحقيقي وتحولت الحياة الواقعية إلى عالم افتراضي لا يمثل حقيقة المجتمع الذي عبر عن واقعه بشفافية على صفحات الإنترنت فيما يلبس في حياته الحقيقية الكثير من الأقنعة التي لا يجد غضاضة في خلعها بمجرد الولوج إلى تويتر أو الفيس بوك أو الواتساب. ومع استقطاب مواقع التواصل الاجتماعي للملايين نشأت أدبيات ومصطلحات من رحم هذا العصف الذهني الجمعي الكبير، وأصبحت (الهاشتاقات) التي يطلقها المغردون وسائل فعالة لقياس الرأي العام وبالونات اختبار لتوجه المجتمع في ظل غياب مراكز البحث والدراسات والاستطلاعات الفاعلة والمحايدة، فإن أردتم حقيقة السعوديين فستجدونها في صفحات الإنترنت فهو العالم الحقيقي وما سواه عالم افتراضي.