في هذه الأثناء وأنت تقرأ ما أخطه من سطور تعج وسائل التواصل بتغريدات ورسائل واتساب وصور أنستجرام تهاجم وتسخر من تصريحات بعض المسؤولين ومخططات وزاراتهم، ولا تنسى ما يدور في صبيحة كل يوم في ردهات العمل والمكاتب من أحاديث وأخرى عشية اليوم عند زيارتك للديوانيات ومجالس المناسبات والاستراحات. كل ما يجري وتنطقه الألسن وتتداوله شبكات التوصل بهذا الصدد يُطرح تحت مسمى «النقد»؛ إن كان كذلك فأهلاً بالنقد الذي يوجه للنظر في الخلل ويوضح النقص ويفند الخطأ ويعالجه بموضوعية مقروناً بالبراهين، وأرجو تكرار قراءة الجملة السابقة. ولكن مع بالغ الأسف ما يسود المشهد حريٌّ بي أن أصفه وأرجو ألا أكون قد بالغت، بعيد كل البعد عن النقد ويظهر ذلك حينما نرى مثلاً معلماً يهاجم سياسة وزارة البترول والثروة المعدنية في التعامل مع أزمة النفط، ليختم حديثه بكل جسارة بحزمة مقترحات هزيلة لا تقوم على أسس ومعطيات وفهم لطبيعة السوق البترولية وحلول بسيطة إلى حدٍ مضحك مبكي، فهل يعد هذا نقداً؟ ولا يفوتني أن تشاركوني الدهشة حينما رأيت تغريدة لمهندس معماري يعترض وبكل ثقة على إحدى القضايا في حكم صادر من ديوان المظالم وأجزم من خلال تعاطيه مع الحكم أنه لم يكلف نفسه الاطلاع على اللوائح والأنظمة التي تتعلق بهذا الجانب قبل الاعتراض بسطحية على الحكم، ولعلك تستحضر عزيزي القارئ عديداً من المشاهد المشابهة التي لا يكاد اليوم يمر دون أن نشهدها. آخرون أسهم تويتر في توفير بيئة خصبة لتكاثرهم وأقصد تحديداً أولئك الذين لا يكفون عن الهجوم على الوزراء بضراوة تصل إلى التجريح في الشخوص، وتقييم أدائهم بكل إجحاف وما زلت لا أعلم ما هي المعايير المتخذة لذلك التقييم! يبدو كل ذلك مسايرة لموجة هجوم تويترية على ذلك الوزير، الأدهى والأمر عندما ترى دعوة لمحاسبة بل وإعفاء وزير بحجة أنه ليس رجل المهمة لهذه الوزارة من خلال «تصريح»! ولعل الجميع شارك في التعليق على هذه الحادثة والعلة من الجانبين لأنه من غير الحكمة أيضاً أن تظهر عبر وسائل الإعلام لتقول للمواطن ما لا ينتظره منك فمن الطبيعي أن تتسم ردة الفعل بالغضب، ولكن من غير العادل أن نحاسب الوزير وكأنه أداة سحرية تغير الواقع في وقت وجيز، وهنا أؤيد قولاً مأثوراً عن رجل الإدارة الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- حينما ذكر أنه يؤمن أن الوزير لا يستطيع تحقيق إنجازات في أقل من خمس سنوات. أعتقد بأن علينا التحلي بالحكمة وأن ننظر للأمور بكافة أبعادها وأن نسعى إلى فهم واستيعاب جوانب القضايا والملفات قبل التسرع في إصدار الأحكام، لنصل إلى موضوعية النقد بعيداً عن سطحية الاعتراض وهمجيته. ختاماًأستدعي مقولة خادم الحرمين الشريفين الملك الوالد سلمان بن عبدالعزيز -وفقه الله- حينما قال: رحم الله امرأً أهدى إلي عيوبي، ليؤكد أن الأبواب مفتوحة والآذان صاغية، والمتمعن في ذلك يجد أن الملك بحكمته المعهودة وضع منهجاً مختصراً وواضح المعالم للإعلاميين والكتاب وعموم المواطنين في التعاطي مع الإدارة العليا في البلاد للوصول إلى التكامل وتحقيق المصلحة.