"لم تكن هذه شيئا قانونيا"، يقولها توكيو سيكسويل وهو يأخذ موضوع النقاش على محمل الجد، رغم أن ما في يده ليس سلاحا ناريا أو زجاجة كحول أو قطعة مخدرات. ما يحمله في يده شيئا مستديرا، إنه كرة قدم. قضى سيكسويل 13 عاما في سجن روبن آيلاند بالجزيرة التي تقع قبالة سواحل كيب تاون، واليوم هو وزير الإسكان في جنوب إفريقيا، وأحد أعضاء لجنة اللعب النظيف "فير بلاي" وعاشق لكرة القدم. ويشير سيكسويل خلال زيارة إلى روبن آيلاند، كشف فيها هو وعدد من زملائه السابقين للصحفيين ما كان يعنيه ذلك السجن "تعلمنا أشياء كثيرة هنا، تعلمنا كيف نحافظ على الروح والجسد البشريين"، فهناك، جمع نظام الفصل العنصري "أبارتايد" مئات المعارضين، وحظر عليهم بشكل مطلق لعب كرة القدم لأعوام طويلة. كان الأكثر شهرة بين هؤلاء السجناء هو نيلسون مانديلا، زعيم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الذي قضى 26 عاما خلف القضبان، بين عامي 1964 و1990، أغلبها في الجزيرة غير المضيافة. ساهم مانديلا بشكل حاسم في سقوط نظام الفصل العنصري، وأصبح أول رئيس أسود في تاريخ بلد كان يحكم بالسياط 85% من مواطنيه، ولدوا بهذا اللون، ولا يزال سكسويل ينظر إلى كرة القدم وهي تحمل هذه المرة اسم "كوبانيا" التي استخدمت في النسخة الأخيرة من بطولة كأس القارات، ويقول: "في دول أخرى، كان من الممكن أن يقوموا باللعب برأس أحد المعارضين أو بثمرة فاكهة بدلا من كرة القدم". وينهي ليزو سيتوتو، أحد رفاقه في السجن الأجواء المتوترة ويحكي أمرا طريفا، ويقول: "أحذية السيدات كانت هي الأفضل"، بينما تلمع عيناه من الحماس، ويصبح أمرا أسهل تخيله هو وزملائه في السجن وهم يعدون خلف كرة فيما يرتدون أحذية سيدات ويتأقلمون على الظروف: لقد كانوا يلعبون كرة القدم من أجل الحرية. ويذكر اليوم المؤرخ الأمريكي تشوك كور: "استغرق الأمر ثلاثة أعوام من الضغط المتواصل من جانب السجناء، حتى صرحت بها السلطات". وبمراجعته لسجلات السجن القديم عثر كور على شيء فريد في العالم: اتحاد ماكانا لكرة القدم الذي أصبح اليوم عضوا شرفيا في الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، لكنه في ذلك الحين بدا كعلامة جنون لدى مجموعة من السجناء. وبعد أن أطلق عليها هذا الاسم تخليدا لذكرى زعيم قبلي قديم، كان ماكانا محكوما بقواعد ال"فيفا"، وكان السجناء يمارسون مهامهم كإداريين حقيقيين. كانت هناك عشرة أندية، وانتقالات رسمية وشغف كبير لدرجة أن البطولة توقفت في إحدى المرات لعشرة أشهر بعد إحدى المشادات المتكررة. ويتذكر سيتوتو (71 عاما) الذي حكم عليه بالسجن 15 عاما ونصف العام لاتهامه في قضايا تخريب وتآمر ضد الحكومة ومغادرة البلاد دون جواز سفر "كنا جادين جدا، فيما يتعلق بكرة القدم تلك"، ويتابع: "مانديلا لم يلعب كرة القدم قط"، مضيفا: "كان منعزلا"، وكذلك جاكوب زوما الرئيس الحالي لجنوب إفريقيا. ويقول باسما: "علي أن أقول إنه كان حكما جيدا، لا أتذكر أي مباراة تولاها هو وشهدت شكوى". ما يدهش في سيتوتو ورفاقه هو أنهم يبتسمون ويمزحون، لا يبدو أن هناك ضغينة في قلوبهم، في 2007 أقيمت داخل السجن القديم مباراة لكرة القدم للاحتفال بعيد ميلاد مانديلا ال89، وكان صامويل إيتو وكريستيان كاريمبو وإيميليو بوتراجينيو بين نجوم عدت على الملعب الترابي. ويظهر جيروم تشامبان الدبلوماسي الفرنسي السابق الذي قضى في شبابه سبعة أعوام يجمع معلومات من جميع أنحاء العالم لمجلة "فرانس فوتبول"، وكان حتى مطلع عام 2010 الذراع اليمنى لجوزيف بلاتر رئيس ال"فيفا" بتأثر صورة لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) التي تظهر مجموعة من السجناء، ويقول: "إنها الصورة الوحيدة لهم التي يلعبون فيها كرة القدم.. الوحيدة.. وانظر كيف كان النظام ينحت وجوههم بسكين. إنهم يلعبون كرة القدم، لكن ليس لديهم أوجه".