عقب افتتاح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأربعاء الماضي جامع موسكو الكبير، بحضور الرئيسين الفلسطيني محمود عباس، والتركي رجب طيب إردوغان، وشخصيات عربية وإسلامية رفيعة، انضم إردوغان إلى جوقة المؤيدين لوجود الرئيس بشار الأسد في الحكم أثناء المرحلة الانتقالية، إلى جانب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند. بوتين أعاد إلى ذاكرة العالم وهو يفتتح المسجد الكبير صورة الإمبراطورة كاثرين الثانية "1729 – 1796" التي جسدت حقبة الطاغية المستنير، ولكنها تسامحت مع السكان المسلمين، وأصدرت تعليماتها ببناء عدد كبير من المساجد، لم تشهده روسيا القيصرية من قبل في قازان، وجزيرة القرم، والأورال، وريزال، وسيبيريا وغيرها. اللافت للنظر أن "بوتين الأول" وكاثرين الثانية يتشابهان في سمة أخري، هي ترسيخ الوجود الروسي في سورية، باعتبارها مركز الثقل في نصف الكرة الشمالي، وتنسب إلى الإمبراطورة الروسية هذه العبارة "من يملك سورية يملك الشرق الأوسط وبوابة آسيا ومفتاح بيت روسيا". وإذا أضفنا ما يقوله الصينيون عن سورية إنها "أول طريق الحرير"، ربما اكتشفنا سر العلاقة بين روسياوالصين، إلى حد استخدامهما حق النقض في السابق، فيما يخص الأزمة السورية، وإصرارهما على مسألة بقاء الأسد لفترة قد تطول أو تقصر، حسب إعادة ترتيب العلاقات والتوازنات الدولية في القرن الحادي والعشرين. حصان طروادة مع بداية ثورات ما يعرف بالربيع العربي، صدر في شهر فبراير عام 2011 تقرير على درجة كبيرة من الأهمية من معهد واشنطن، أكد على أن ثورات شمال أفريقيا أو جنوب المتوسط لا تمتلك أدواتها السياسية والمعرفية المحددة المعالم، فضلا عن أنها لا تمتلك أدوات طبقية تعبر عن رؤية أو برنامج اقتصادي اجتماعي نقيض، ناهيك عن أن القوى الدولية "الرأسمالية" لم تساندها مثلما حدث مع بلاد أوروبا الشرقية، عقب تفكك الاتحاد السوفيتي السابق في التسعينات من القرن العشرين. وخلص التقرير إلى أن واشنطن تستعمل هذه الثورات كستار تختفي خلفه في محاولتها لطرد الصينوروسيا من منطقة البحر الأبيض المتوسط. ولعل هذا ما يفسر، حسب مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية، لماذا شنت الولاياتالمتحدة والتحالف الغربي الحرب على ليبيا؟ في محاولة لطرد الصين من المناطق الغنية بالنفط، الواقعة شمال أفريقيا. قواعد عسكرية وللسبب نفسه -حسب المسؤول الذي رفض ذكر اسمه- ركزت الولاياتالمتحدة على سورية، لأن لروسيا فيها قاعدة بحرية كبيرة جدا في طرطوس، تحوي حاملات الطائرات، واليوم انضمت اللاذقية كقاعدة روسية ثانية في سورية. لقد تم توظيف "شهوة الحكم الديني" عند الإسلاميين في جنوب المتوسط منذ عام 2011 –مثلما يتم تسويق فكرة الحرب على الإرهاب ومواجهة "داعش" في سورية والعراق عام 2015- لخدمة أطماع القوى العالمية في نصف الكرة الأرضية الشمالي.