خالفت الأرقام الحقيقية لواقع الاقتصاد السعودي ما خرجت به منظمات دولية اقتصادية ومراكز دراسات عالمية، من تقارير تدعو فيها حكومة المملكة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية، كان آخرها تقرير لصندوق النقد الدولي دعا فيه إلى خفض الأجور ورفع أسعار الوقود، حيث إن ما يتمتع به الاقتصاد السعودي من متانة وسياسة مالية متزنة يبدد جميع ما رسم من صور خوف وقلق، اعتمدت في تحليلها على جوانب معينة دون أخرى مثل استمرار انخفاض أسعار النفط. وبالنظر إلى احتياطات المملكة المالية وإجراءاتها الأخيرة بطرح سندات حكومية تهدف إلى إنعاش سوق الدين الذي يعكس وجود بدائل استثمارية لمواصلة الإنفاق الحكومي، وتطور القطاع الصناعي، فإن أي تنبؤات بضعف الاقتصاد السعودي أو توقعات بحدوث أي أزمات جراء انخفاض دخل البترول أمر مستبعد على المدى المتوسط على أقل تقدير. تحليلات خاطئة واتفق خبراء اقتصاديون في حديثهم إلى "الوطن" على متانة الاقتصاد السعودي في الوقت الحالي، ومناعته من أي تأثيرات حالية على المدى القصير والمتوسط، مشيرين إلى أن معظم التقارير الغربية التي صدرت ما هي إلا إثارة وزوبعة، إذ لا أسس واقعية لها، أو أنها اعتمدت تحليلاتها على جانب دون آخر. وأكد الرئيس التنفيذي لشركة دراية المالية محمد القويز متانة وقوة اقتصاد المملكة، مبينا أن أهم العوامل لمتانة اقتصاديات أي دولة غياب القروض عنها، ووجود احتياطي كبير مما يعطيها هامشا عاليا من المناورة في ظل أي أزمة مالية تمر بها الدولة، وهذا ينطبق على المملكة من حيث غياب قروض عنها ووجود احتياطي عال، قائلا: "على المملكة أن تستخدم هذا الهامش استخداما جيدا في ظل أي أزمات قد تواجهها مستقبلا". أما عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبدالعزيز أستاذ الاقتصاد الدكتور حامد دوعان فوصف كل ما يشاع عن ضعف اقتصاد المملكة بالزوبعة في فنجان، قائلا: "لدى المملكة موارد كثيرة ولا تواجه أزمة حقيقية حتى الآن، ولم يصل سعر النفط إلى 40 ريالا"، مستبعدا في الوقت ذاته حدوث أي كساد اقتصادي. احتياطات مطمئنة وأشار دوعان إلى أن المملكة تمر بفترة وقتية وتمتلك خططا بديلة كثيرة للخروج من أي أزمات طارئة ومستقبلية، كما لن يؤدي تدني مستوى أسعار بيع النفط إلى أي هزات اقتصادية داخل البلاد، إذ تمتلك حكومة المملكة سياسة مالية حكيمة، بعد أن أقرت إصدار السندات واستفادت من ودائع البنوك المحلية بشكل استثماري، يعزز من قدرتها على الاستفادة الجيدة من مواردها، مشيرا إلى أن احتياطات المملكة التي تقارب تريليوني ريال ستكفيها لسنوات عديدة. وذكر دوعان أن المملكة ترتبط بأسعار فوائد مختلفة لعدد من استثماراتها، مضيفا: "وفي حال انخفض سعر برميل النفط على مدى خمس سنوات قادمة إلى مستوى 30 و40 دولارا فلن يكون هناك أي عقبات تواجه اقتصاد المملكة، ولا داعي لأي قلق". أما عن تقرير صندوق النقد الدولي الذي صدر قبل يومين، فقال دوعان إن هذه التقارير تستدعي إشاعة القلق بين المستثمرين والاقتصاديين، منوها بأن المملكة تسير في خط سليم لا يشوبه أي إزعاج. السندات الحكومية من ناحيته، أوضح عضو الجمعية السعودية للاقتصاد الدكتور عبدالله المغلوث أن حجم العجز المتوقع للعام، حسب توقعات تقرير صندوق النقد الدولي، يبلغ 560 مليار ريال، مضيفا: "ولهذا سعت وزارة المالية إلى طرح سندات خزينة عبر أخذ قروض من البنوك التجارية وبموجب فوائد ثابتة لمدة تتراوح بين خمس وعشر سنوات. وقال المغلوث إن البنوك السعودية قادرة على شراء تلك السندات لما لها من قوة سيولة وودائع ضخمة تستطيع من خلالها التقدم لأي قروض تحتاجها الدولة، وهو ما يعود بالنفع على البنوك، كونها تحرك رأس المال وتسحب الفائض من السيول وتستفيد من فوائد ربح ثابتة. وعن دعوة صندوق النقد الدولي المملكة إلى خفض أجور موظفي الدولة، استبعد المغلوث أي اتخاذ للمملكة لمثل هذه الخطوة، لأنها تمتلك احتياطيا كبيرا من النقد والذهب والمعادن، مضيفا: "من الضرورة بمكان وضع حزمة من الإجراءات الاقتصادية التي تساعد على توفير موارد أخرى لتقليص العجز في الوقت نفسه والسعي إلى إتمام المشاريع المتعثرة والمتفق عليها، وللمملكة تجارب سابقة مرت بها مثل هذه الأزمات، وتجاوزتها بسلام بموجب حلول وخطط مدروسة. من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي عبدالله الفايز ل"الوطن" أن المملكة ماضية في خطط الإصلاح الاقتصادي، وأن ما اقترحه صندوق النقد الدولي من رفع سعر البنزين أو خفض الأجور وفرض رسوم على الأراضي البيضاء، أمر خاطئ، ومن الأفضل للدولة نزع ملكيات الأراضي البيضاء، وعدم الإجبار على البناء، في حين يتوجب وضع حلول سريعة لأزمة الإسكان التي لها علاقة بالأجور.