أي إنسان لا يرغب في أن يكون في يوم من الأيام وسط بؤرة الأحداث والصراعات، خصوصا إذا كان ينتمي إلى مهنة الطب، تلك المهنة التي تنأى بصاحبها دوما عن هذه الدوامة، فطبيعتها تجعل صاحبها يضع جل اهتمامه وتركيزه ونشاطه على مهنته، وكيف له أن يحقق تلك الطموحات ويواكب المستجدات والمتغيرات، غير أن هناك لحظات ومنعطفات تاريخية تفرض تغيير هذا الواقع المعتاد، ومن خلال هذا الموقع نعيش إحدى أهم تلك اللحظات ولا أجد لها عنوانا أفضل من تعبير: إلى متى؟ فهذا السؤال لا يقال إلا عندما يصل الأمر إلى مداه الأخير وتبلغ الأمور نصابها. ما سبق كان هو ما احتوته الصفحة الرئيسية من موقع (إلى متى) الإلكتروني الذي تم تدشينه قبل ما يقارب خمسة أعوام، وكان بالفعل صوتا لمطالب آلاف الأطباء الذين توحدت مطالبهم تحت لواء هذا الموقع وتم التواصل حينها مع الجهات والوزارات المعنية (الصحة، الخدمة المدنية والمالية)، إضافة إلى مجلس الخدمات الصحية الجهة الرسمية التي تمثل كل مقدمي الخدمات الصحية بالمملكة، وكنا نركن وقتها إلى توجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- الذي ينص على مساواة جميع الأطباء السعوديين في جميع الجهات، وكانت المطالب الرئيسية التي سوف تؤدي إلى المساواة وليس إلى الحصول على مزايا إضافية تتمحور فيما يلي: أولا: إضافة بدل التفرغ الذي يشكل ما نسبته 70% من راتب الطبيب إلى الراتب الأساسي، وهذا هو أهم المطالب وحجر الزاوية في تحقيق المساواة. ثانيا: إلغاء البدلات الوهمية التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، ونقصد بالتحديد البدلين الرئيسيين (بدلي الندرة والتميُز)، اللذين يتم منحهما للأطباء في مجملهما بناء على معايير وعناصر معقدة وإعجازية وتحكمها في كثير من الأحيان مزاجية أعضاء اللجان المانحة لها، وهي ليست للأسف مضمونة في بعض الأحيان وفي أحيانا أخرى تعطى في حدها الأدنى، فهي بالتالي أدخلت الأطباء نفقا مليئا بالتعقيدات، مما أدى إلى حالة من الارتباك والإحباط وأضافت أعباء وإشكالات شتت تركيز الكثير من الأطباء، ويتركز الحل العادل هنا وببساطة في إلغاء هذه البدلات وتحديد نسبة مئوية من المرتب الأساسي حسب الدرجة الوظيفية وإضافتها إلى الراتب وتثبيتها، بحيث تحقق من خلالها تحقيق المساواة مع أطباء البرامج والتشغيل الذاتي السعوديين منهم والأجانب، والأهم من ذلك تجنيب الأطباء إلغاءها أو تقليصها يوما من الأيام والاكتفاء بالبدلات التي تعطى للآخرين كمثال (بدلات النقل والعدوى والتدريب والإشراف). ثالثا: تغيير معايير منح بدل السكن للأطباء والاقتداء بما يتم به العمل في معظم الجهات، وهي منح البدل بما يعادل ثلاثة مرتبات، فليس من المعقول والمنصف أن يكون مبلغا مقطوعا للجميع كما هو معمول به حاليا، فلا فرق هنا بين متخرج حديث وبين طبيب شاب رأسه في أروقة المستشفيات. رابعا: رفع العمر التقاعدي لدى الأطباء وبالتالي تغيير السلم الوظيفي تبعا لذلك، فالجميع يعلم أن الأطباء يبدؤون حياتهم العملية غالبا وهم يدشنون عقدهم الرابع. ومما سبق تتضح منطقية المطالب وعدالتها وتواكبها مع التوجيهات السامية، وعدم تحقيقها يعتبر ببساطة مخالفة وتعطيلا لأمر سام كريم، وكانت تلك المطالب أقرب أن تكون حقيقة وأقرب إلى تحقيقها على أرض الواقع في مجملها أيام وزارة د. حمد المانع، ولكن الوقت لم يسعفه إضافة إلى تعنت أصوات نشاز يعرفها الأطباء جيدا تعللوا لتبرير مواقفهم بأسباب أوهن من خيط العنكبوت. ومنذ ذلك الوقت ومع تعاقب الوزراء ظلت هذه المطالب العادلة والمشروعة أسيرة تراوح مكانها، تتلقفها أيدي البيروقراطية والروتين ما بين أروقة وزارة الصحة ومجلس الخدمات الصحية، ولجنة الخبراء بمجلس الوزراء، ونحن هنا نضع وزارة الصحة كرأس الحربة في هذا الموضوع باعتبارها تحوي معظم الأطباء وباعتبار وزيرها رئيس مجلس الخدمات الصحية، والتي تأتي من قناتها كل التشريعات والتوصيات والحلول. ومما سبق وما دفعني للكتابة حول هذا الموضوع الحيوي والمهم من جديد ما تواردته الأخبار أخيرا من مناقشة وتقييم البدلات من قبل مجلس الخدمات الصحية في وقت كنا ننتظر وقتها صدور قرارات حاسمة لوضع الأمور في نصابها، خصوصا في هذا الوقت وسنبدأ بالفعل في متابعة "حلقة جديدة من مسلسل تعيس سئمنا متابعته"، لأننا نكاد نعلم مخرجاته جيدا حتى لو اختلفت الأسماء والعناوين. ولهؤلاء ولمن يملكون القرار في اللجان والمجالس آنفة الذكر نود توضيح التالي: أولا: أقسم لكم أن الأمر واضح وجليّ والمطالبات أشد وضوحا ومنطقيتها وعدالتها لا يختلف عليها اثنان، والحلول أشد بساطة لمن أراد ذلك وتوافرت لديه نوايا الإخلاص وتحقيق العدالة. ثانيا: يجب أن يمثل الأطباء ممن يشملهم كادر الخدمة المدنية التعيس في اللجان المخولة بدراسة وتقييم البدلات والمزايا، فهم أقدر من ينقل تلك المطالب بكل دقة ووضوح، لأن مجلس الخدمات الصحية بكل أمانة يحوي أعضاء ضد توجه المساواة أصلا، وهناك آخرون لا يمتون للطب ومشاكل الأطباء بصلة. ثالثا: الأطباء ممن يشملهم كادر الخدمة المدنية، وهم بالمناسبة يشكلون معظم الأطباء بالمملكة، عازمون هذه المرة على مواصلة السعي واستخدام كل الوسائل المشروعة وطرق كل الأبواب حتى تتحقق مطالبهم العادلة. وختاما لا أخفيكم أنني أجد نفسي هذه المرة أعيش حالة استثنائية من التفاؤل لأسباب يأتي في مقدمتها وجود القائد الاستثنائي لهذا الوطن الغالي، وبحزمه وعزمه الخالد الذي وضعنا على عتب مرحلة جديدة وغير مسبوقة، لا مكان فيها للمسوفين والمضللين، وأصبح كل مطلب عادل ويحقق الطموح والرقي لمواطن هذا الوطن قابلاً -وبكل قوة- للتحقيق.