يقول علي عزت بيجوفيتش: لن تستطيع قتل البعوض ولكن جفف المستنقعات. إن هذه العبارة تحمل في طياتها مفتاح الحل لأزمة الإرهاب الذي تنوء بهم مجتمعاتنا العربية والذي لم تستطع الحلول الأمنية منفردة في الخلاص من شره. إن المرحلة التي تعيشها مجتمعاتنا الجريحة من غدر الشباب المغرر به لا تحتمل دس الرؤوس في التراب بل تستوجب شجاعة الاعتراف بالأخطاء. هذا الاعتراف ينبغي أن لا يقتصر على اجترار أخطاء الماضي البعيد ومآسي التاريخ السحيق، بل الأهم مواجهة عثراتنا السياسية والاجتماعية والاعتراف بإخفاق مؤسساتنا التربوية والإعلامية التي ساهمت بصورة أو بأخرى في خلق مستنقعات يرتع فيها بعوض الإرهاب ويتكاثر ناقلا جراثيم التطرف وناشرا لسموم الكراهية والعنف. إن أكبر المستنقعات المفرخة لجراثيم الإرهاب في أيامنا الحزينة هذه يتمثل في الأزمة السورية التي قابل فيها النظام العلوي ثورة الشعب السلمية بحرب تطهير طائفية تلقى فيها الدعم من الحرس الثوري الإيراني والمدد من قوات فيلق بدر العراقية وحزب الله اللبناني. لقد مثلت الأزمة السورية وما تزال حالة صدمة وجودية لدى الإنسانية التي تضامنت مع مطالب هذا الشعب الذي أنهكه النظام السوري قتلا وتشريدا، وقد كان أثر هذه الصدمة لدى شباب الأمة مضاعفا خاصة بعد الاستفزازات الإيرانية المتكررة في العراق وفي لبنان. و الخطأ الذي ارتكبته الدول العربية يتمثل في تأخر دعم قوى الاعتدال في الثورة السورية، وفي الجدل بين القوى الليبرالية والقوى الإسلامية على ترتيب القيادة وطبيعة النظام السياسي المرتقب بعد إسقاط نظام الأسد الذي كان وشيكا لولا الاختلاف والتنازع وتأخر الدعم، في الجانب الآخر هيأ النظام السوري الطريق أمام القوى المتطرفة لتخترق قوى الثورة وتتمدد على حسابها من أجل تشويه الثورة الشعبية وإحراج القوى الإقليمية الداعمة لها. فالشباب الذين انضموا إلى الحركات الإرهابية إنما كانوا مدفوعين بعاطفة التضامن مع المظلومين الذين يدكهم النظام بالأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة، وقد تلقفتهم قوى الإرهاب وأعادت برمجة تفكيرهم بحيث صاروا كارهين للحياة وناقمين على الإنسانية، وتم تجنيدهم ضد مجتمعاتهم ودولهم ووحدتهم الوطنية. المستنقع السوري هو أكبر مفرخ للإرهاب الدولي ولا يمكن لأي قوة في الأرض القضاء على الإرهاب دون ردم هذا المستنقع، من خلال إسقاط النظام وتشكيل حكومة مقبولة إقليميا ودوليا. بيد أن الأزمة السورية ليست هي المستنقع الوحيد، بل هناك وحول كثيرة تغرق فيها مجتمعاتنا وتكاد أن تتحول إلى مستنقعات مفرخة لبذور الإرهاب، وأهم هذه الوحول يتمثل في انسداد الأفق أمام الشباب العربي بسبب البطالة وانتشار الفقر وغياب العدالة الاجتماعية، وانعدام المشاركة السياسية، وفي مثل هذه الظروف يتبخر الأمل بالحياة ويخيم ظلام اليأس على العقول وتتعزز غريزة التوحش والانتقام في القلوب، وقد قام دعاة الإرهاب بتوجيه هذا الغضب الداخلي والاحتقان إلى المجتمعات ومحاولة تدمير وحدتها الوطنية. المستنقع الثالث يتمثل في الخطاب الديني الرديء الذي يسطح الدين ويمسخ مبادئه العليا، هذا الخطاب القائم على تعظيم الشكليات، وتقديس المظاهر، وخلط الصغائر بالكبائر، وتقديم سوء الظن على إحسانه، ونشر بذور الوسواس الجماعي، وسقي نباتات كراهية الآخر، هذا الخطاب البائس الذي جندت القنوات الفضائية كثيرا من مساحتها لنشره وتعميمه في المجتمع يساهم بشكل مباشر في صناعة أفراخ إرهابية تستقطبهم حواضن الإرهاب لتعيد برمجتهم ضد مجتمعاتهم وأنظمتهم السياسية. الأمة بحاجة اليوم للتصالح مع مفكريها ومثقفيها ومبدعيها، من أجل تقديم خطاب فكري وسطي، خطاب يبدأ في مؤسسات التعليم الأساسي، ويتعزز في مؤسسات التعليم العالي خاصة مؤسسات التعليم الديني، إضافة إلى تجديد خطاب المؤسسات الإعلامية، وتحطيم منابر الكراهية بقوة المجتمع، وإغلاق قنوات الفتنة بسلطة القانون، وفتح فضاءات حرية التعبير والتجديد في الخطاب الديني بعيدا عن سياط التنجيس وسيوف التكفير. التعاون على ردم مستنقعات الإرهاب هو أحد وجوه التعاون على البر والتقوى، وعلى الأمة جميعا أن تتحد فيما بينها للقيام بهذه الفريضة الدينية والإنسانية، ودول مجلس التعاون الخليجي هي أكثر الدول المؤهلة لقيادة الأمة والبشرية للقيام بهذه المهمة التاريخية.