هل تعرف "محمد حسين زيدان"؟ يمكنك أن تطلق هذا السؤال في فضاءات الأجيال الجديدة، ولن تصدمك الإجابة إذا كانت في غالبيتها تقول حائرة: لا! ذلك أنها ستكون -الإجابة- تطبيقا عمليا، لأشهر مقولة أطلقها الزيدان نفسه "نحن مجتمع دفان". كان -رحمه الله- يعرف واقعه جيدا ويستشرف الآتي، مدركا تماما أن بعض المجتمعات ما إن يرحل شخص حتى تكتفي بدفنه، وربما البكاء أو التباكي عليه لوقت قصير لا يساوي قطرة مما سفح في دروبها من شعل وإضاءات، ثم الانصراف لحياتها، وتركه مدفونا تحت الأرض. غير أن الاستثنائيين ممكن تركوا بصمة، بل بصمات لا يمكن أن يستمروا مدفونين هكذا نذرا للهباء/ للنسيان، إذ تستدعيهم الذاكرة مرارا، وتفتح أضابير ملفات أعلوها بيارق نور لحياة المجتمعات. إذا كان جيل اليوم يجهل تماما الزيدان "1914 - 1992" فإن آلافا ممن عاصروا الحقبة الذهبية للتلفزيون السعودي منذ أواخر الستينيات يستعيدونه اليوم، حين كان جزءا حقيقيا من رمضان، يطل عبر شاشة التلفزيون روايا مقاطع من التاريخ الإسلامي المجيد، بارتجال عذب، وذاكرة فذة، ولهجة ولكنة محببة، بالتأكيد تبقيه خالدا كواحد من أيقونات التلفزيون السعودي المعبرة عن "الزمن الجميل"، أو بعبارة أدق "الزمن المفقود". الإطلالة التلفزيونية للزيدان عبر أحاديثه الماتعة التي ما زال آلاف المشاهدين يتذكرونها، "https://www.youtube.com/watch?v=EiesUG3CO6k" هي ملمح بسيط مما يعبر عن شخصية واحد من أهم الرواد الحقيقيين للكلمة والأدب والصحافة السعودية، فهو طبقا لعبدالله مناع -أحد أقرب أصدقائه في العشرين سنة الأخيرة من حياته- ابن القرن العشرين بامتياز، فقد ولد في عقده الأول ومات في عقده الأخير، مطوحا عمره بين المدينتين المقدستين "مكةالمكرمة، المدينةالمنورة"، لذلك كان يردد "أجد نفسي في مكة.. مكيا من أهل المدينة، وأجد نفسي في المدينة.. مدنيا من أهالي مكة". كان ينتمي لذلك الجيل من الأدباء الذين يمكن أن تطلق عليه بلا أدنى تردد "الموسوعي"، متنقلا بين الأدب والسياسة والفكر والتاريخ الإسلامي الذي كان شغفه الأول، ناهيك عن تحقيقه باقتدار جدارة الارتجال والخطابة والإلقاء، بفصاحة كانت تذهل كل من يحضره. أيام (السفر برلك) وهو ما يعرف بترحيل أهالي المدينةالمنورة في زمن فخري باشا العثماني رحل مع والده إلى ينبع النخل ومنها إلى ينبع البحر فدرس هناك، قبل أن يعود إلى المدينةالمنورة ويواصل تعليمه بعد تخرجه في حلقات المسجد النبوي قبل أن يصبح معلما للصبيان. حين أطلق عليه الراحل عبدالله الجفري أحد الذين اقتربوا منه "زوربا القرن العشرين" في كتاب عنه بهذا العنوان، تحفظ البعض على اللقب، ذلك أن زوربا اليوناني هو ابن القرن ذاته! لكنهم استحسنوا أن يكون الزيدان "زوربا الحجاز" لإقباله على الحياة من شتى نواحيها، متسلحا بالمعرفة وعشق الموسيقى والفنون، جنبا إلى جنب التاريخ الإسلامي، دون تنطع أو ابتذال، أو تجهمات رعناء تحول دون الفرح والابتهاج بالحياة.