نوه السفير الفنلندي في المملكة بيكا فاوتيلاينين بعمق العلاقات التي تربط المملكة بفنلندا، لافتا إلى أنها تعود بجذورها إلى زمن طويل، وتعززت في الأعوام القليلة الماضية أكثر، مؤكدا أنها مقبلة على عهد جديد من العلاقات المتينة بين البلدين. وانتقد السفير الفنلندي التدخلات الإيرانية في اليمن، متحدثا ل"الوطن" وهو على بعد مسافة قريبة من الشريط الحدودي، حيث زار مركز آل زلفة الثقافي والحضاري، مبديا إعجابه بما تشهده المملكة من تقدم وتطور. تبادل تجاري وشدد فاوتيلاينين على أن بلاده والمملكة تعملان على تطوير وزيادة حجم التبادل التجاري بينهما، مؤكدا على أن الميزان التجاري بين البلدين يميل لمصلحة فنلندا، موضحا أن الصادرات والمنتجات السعودية قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، خاصة المنتجات البتروكيماوية والمعدنية من حيث الجودة العالية والسعر المناسب، حيث وصلت المنتجات السعودية إلى نحو 150 بلدا حول العالم، وأنها تجد كل الترحيب من بلده. وعبر السفير الفنلندي عن سروره للتطور الذي تشهده السعودية، والوضع الاقتصادي المتنامي فيها، والأسلوب الذي تنتهجه في تطبيق خططها التنموية التي نتج عنها توفير البنية الأساسية التي هيأت المناخ المناسب للاستثمار وقيام قطاع صناعي يرتكز على توظيف المزايا الطبيعية في زيادة القيمة الاقتصادية المضافة للمنتجات الوطنية. وبين فاوتيلاينين أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشهد نموا وتطورا سريعا جدا، حيث إن هناك شركات فنلندية في المجال الصحي والتعليمي والتعدين تعمل وتستثمر في المملكة، مؤكدا حرص بلاده على تطوير تلك العلاقة والمشاركة في الاستثمارات الاقتصادية بين البلدين، مضيفا أن حجم التبادل التجاري الذي يفوق 600 مليون يورو لا يمثل الحجم الحقيقي للتبادل الاقتصادي، إذ إن هناك تجارة الخدمات مثل الطاقة والاتصالات وصناعة السفن ومعدات التعدين، وهي أضعاف هذا الرقم، إضافة إلى المشاريع الاستثمارية الأخرى، مشددا على حرص بلاده على تطوير هذا الجانب الاقتصادي المهم. إعادة الشرعية وحول وجوده في منطقة حدودية سعودية لا تبعد كثيرا عن دائرة أحداث إعادة الشرعية إلى اليمن، وكيف يقرأ الوضع هنا في "عسير"، أكد أنه يرى أن الحياة في منطقة عسير تسير بوتيرة جيدة، وأن التفاؤل يسود كل من التقاهم من مواطنين ومقيمين، وأنهم جميعا أبدوا ثقتهم بأن قوات التحالف ستعيد قريبا الحكومة الشرعية إلى اليمن، وأن الوضع جدا مطمئن. وشدد السفير الفنلندي لدى المملكة على انتقاده للتدخل الإيراني في اليمن، وقال "لا أحد ينكر هذا التدخل السافر الذي تتبناه إيران لدعم ذراعها في اليمن (أنصار الله)"، وذلك في إشارة إلى دعم طهران للحوثيين، مؤكدا في الوقت نفسه أن مسؤولية استقرار اليمن تقع على عاتق أبنائه الذين يفترض أن يبتعدوا عن المصالح الشخصية ويغلبوا المصلحة العامة، ويجلسوا إلى طاولة تجمعهم جميعا، حيث يناقشون مستقبلهم بشفافية ووضوح، وأن مسؤولية الأمن والسلام الذي ينشده الجميع مسؤولية اليمنيين أنفسهم، مؤملا أن ينجح المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن في تقريب وجهات النظر، وأن يجد حلولا ناجحة تجنب اليمن ويلات الحروب والصراعات. نظام تعليمي وبعيدا عن الجانبين الاقتصادي والسياسي، ذهب فاوتيلاينين للحديث عن النظام التعليمي المتطور في بلده، مشيرا إلى أن فنلندا حولت نظامها التعليمي من المستوى المتوسط إلى نموذج تقتدي به دول كثيرة، مركزا على الارتباط القوي بين مراحل تطور النظام التعليمي ومراحل التطور الاقتصادي في بلاده، مؤكدا أن فنلندا تشهد طفرة تعليمية، وأنها قفزت من قاع الهرم التعليمي إلى قمته، متربعة على عرشه على مستوى العالم، لافتا إلى أنها تعد البلد الثامن من حيث المساحة في أوروبا، وهي أقل بلدان الاتحاد الأوروبي كثافة سكانية، وتتزعم قائمة أفضل بلد في العالم في استطلاع مجلة نيوزويك لعام 2010 من حيث الصحة والاقتصاد والتعليم والبيئة السياسية ونوعية الحياة، كما تعد فنلندا ثاني أكثر البلدان استقرارا في العالم. وبين السفير بيكا أن فلسفة نظام التعليم في فنلندا وآلية العمل على نجاح التجربة تعتمد على أول وأهم الأسباب، وهي راحة الطفل النفسية في المدرسة، كونها المكان الذي يقضي فيه معظم وقته، كما أن نظام التعليم هذا متوافر لجميع الطلاب في كل مناطق فنلندا مجانا في مدارس يدعمها القطاع الحكومي، ولا شك أنه يوجد بعض المدارس الخاصة التي لا تشجع عليها الحكومة، ولا تعطي التراخيص لفتحها بسهولة، وهذا يؤكد اهتمام الحكومة بنوعية التعليم للجميع وليس الاستثمار بطلابهم. وأشار السفير إلى أن نظام التعليم في هذه الدولة الرائدة يساعد على تقارب مستويات الطلبة بإعطاء الفرص للجميع في اكتساب المهارات في المواد المختلفة كالعلوم والرياضيات والقراءة واللغات، وحتى مع وجود تباين في الذكاء والمهارات إلا أن نظام التعليم عمل على ردم الفجوة التي تخلق هذا التباين بزيادة مهارات الطلبة جميعا، حيث يبدأ التعليم من سن السابعة، وأن أول ست سنوات من عمر الطفل هي الأهم في المدرسة وفي التعليم الفنلندي، لأنها فترة بناء المعرفة والمهارات البسيطة والتعود على حياة التعلم واكتساب المعرفة لتعود بالفائدة في المراحل التي تليها، ويعد التعليم الإلزامي العام هو تعليم مجاني تماما، فالكتب والأدوات القرطاسية مجانية في هذه الفترة، باستثناء المرحلة الثانوية، إذ على الطلاب أن يدفعوا ثمن الكتب والأدوات، ولكن دخولهم للجامعات مجاني بلا رسوم، هذا ومع أن ما تنفقه الدولة من موازنة يعد متوسطا بالنسبة لما تصرفه دول أخرى على التعليم. معيار حكومي وبين فاوتيلاينين أن المعلمين في فنلندا يحافظون على سريان المعيار الحكومي على المناهج دون التقيد بمنهاج مكتوب، والجميل أن المعلم له حق تقسيم المادة واختيار الدروس التي يريد إعطاءها وطريقة التدريس حسب رغبته واقتناعه بأهمية المواد وشموليتها وعمقها ومحافظتها على المحتوي العلمي القوي، وهذه الخطوة لا تتم طبعا إلا بوجود نخبة من المتميزين أصحاب الدراسات العليا وفي مراحل معينة يجب أن يكونوا حاصلين على الماجستير على الأقل، وفي بعض المراحل يكونوا حاصلين على شهادة الدكتوراه، وإن عملية اختيار المعلمين لما يريدون إعطاءه يزيد من حسن العلاقة الجيدة مع طلابهم وشفافيتها وقوتها، لأن هذه الطريقة لا تعمل على التلقين وإنما تدفع الطالب للبحث والاستفسار والاكتشاف. زيارة وريادة وكان السفير الفنلندي زار قبل أيام مركز آل زلفة الثقافي والحضاري في قرية المراغة بمحافظة أحد رفيدة، حيث استقبله مؤسس المركز الدكتور محمد آل زلفة وشقيقه "حسين"، وأطلعه على المركز الذي يحتل مساحة 12 ألف متر مربع، وروعي في تصميمه المحافظة على الطابع المعماري لمنطقة عسير من حيث الإرث الثقافي والحضاري والعمراني، إضافة إلى المحافظة على المعالم الحضارية والتراثية والبيئية والمخطوطات والوثائق التي تعكس العطاء الفكري للأمة في مراحل تاريخية مختلفة. وقال فاوتيلاينين متطرقا إلى الإمكانات السياحية للمملكة "تمتلك المملكة مقومات وأماكن سياحية وتراثية جميلة ومتنوعة، وكل منطقة سعودية لها مقومات سياحية واعدة، ومنطقة عسير بلا شك رائدة في العمل السياحي، حيث تحفل بتلك المقومات"، متمنيا أن تتاح زيارتها لمن هم خارج المملكة من الزوار ليستمتعوا بالضيافة السعودية المميزة.