د.عبدالغفار عفيفي الدويك كاتب وأكاديمي منذ اندلاع الثورة الخمينية في عام 1979 وإيران تسعى جاهدة إلى فرض نفوذها وهيمنتها على المحيط الجغرافي المجاور لها، وفقاً لأيديولوجيتها متمثلة في تصدير الثورة (والمسمى الحقيقي هو تصدير التطرف)، وهي تحاول استعادة عرش كسرى وسلطان ما قبل القادسية، فقد اتخذت الخمينية التوسعية مسارا عدائيا تصادميا عبر خطين متوازيين، الأول ممارسة العنف والتصعيد ضد عدوهم الدائم (المسلمون السُّنة والعرب)، والثاني إظهار عدو وهمي (إسرائيل وأميركا) بمظهر العدو الحقيقي كغطاء لإخفاء حربها الحقيقية على عدوها الدائم، لقد اتّبعت السياسة الإيرانية الخمينية نهج السياسات الإسرائيلية، حيث قامت تلك السياسة على بث الشقاق، وتفعيل الصراع، وإثارة الفوضى والأزمات وإيقاظ الفتن. وثمة أهداف ودوافع متفاوتة وراء الأطماع والتدخلات الإيرانية في شؤون دول المنطقة، منها أهداف أساسية ثابتة وبعيدة المدى، وأهداف مرحلية مرتبطة بالتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، وعلى رأس الأهداف الأساسية استعادة الهيمنة الفارسية على المنطقة، لكن بصورة دينية طائفية؛ عبر دعم الجماعات الشيعية في المنطقة، وإثارة النعرات المذهبية والاضطرابات السياسية والفوضى الأمنية، ولم تكن مصادفة أن يلتقي مشروع الشرق الأوسط الجديد "الأميركي الإسرائيلي" مع الاستراتيجية الإيرانية الهادفة إلى فرض نفوذها على دول الإقليم والهيمنة على مقدرات كثير من دول العالم العربي. ففي أفغانستان كان لإيران دور كبير في التخلص من سيطرة حركة طالبان السنية، وذلك بدعم تحالف الشمال المدعوم أميركيا، ما دفع مسؤولين أميركيين إلى التصريح علنا بأنه لولا الدعم الإيراني لما تمكنوا من إنهاء الوضع في أفغانستان بهذه السرعة. وبلغ النفوذ الإيراني مداه في العراق بعد الانسحاب الأميركي، فقد دعمت وأسست أكثر من (50) من الميليشيات الشيعية التي تقوم بالتجنيد والقتال في العراق الآن. وهذه الجماعات تقوم بعمليات التجنيد، ومعظم هؤلاء المجندين يتم استخدامهم للسيطرة على المناطق التي من المفترض أن تكون تحت سيطرة الدولة العراقية، وبذلك أصبحت إيران تتمتع بنفوذ هائل في العراق على جميع المستويات: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعسكرية، من منا لم يدرك أن العراق كان من أهم منافذ كسر الحصار على إيران – تحت عين وسمع الإدارة الأميركية!! أما في لبنان فقد تمكنت إيران عبر حزب الله من تحسين شعبيتها أمام المجتمع السني بعد أن ساءت صورتها كثيرا خلال حربها الطويلة مع العراق، والجرائم التي يقترفها الشيعة ضد أهل السنة في العراق، لذلك فكان حزب الله هو الذي عمل على إظهار إيران بمظهر البلد الذي يواجه إسرائيل والولايات المتحدة، وقد تميزت العلاقة بين حزب الله وإيران بتداخل البعدين السياسي والديني فيها، فحزب الله أصبح ميليشيا طائفية ووكيلا إيرانيا يقوم بالمزايدة على حساب أشقائه العرب، ولعل الأوضاع السياسية الحالية في لبنان أكبر دليل على ما قام به حزب الله وبدعم إيراني من شل الأوضاع السياسية تماما. وفي سورية فإن هنالك دعماً ملحوظا لنظام الأسد من إيران، كما أن تورُّطَ قوات الحرس الثوري الإيراني في الشأن السوري يشير إلى رغبة طهران في الحفاظ على بقاء نظام الأسد، مهما كانت التكلفة، وخاصة فيلق القدس، الذي اتَّهمتْه دوائرُ عربية وغربية قبل ذلك بالقيام بعمليات إرهابية في العراق وسورية. والمحاولات الإيرانية الحثيثة للتغلغل في اليمن لم تَعُد خفية؛ فإيران تستغل حالة انقسام قوات الجيش والأمن اليمنية والأوضاع الاقتصادية السيئة لأبناء الشعب اليمني من فقر وبطالة، إضافة إلى الخلافات الداخلية بين فرقاء الحياة السياسية في اليمن، وانتشار جماعات تنظيم القاعدة، وقد كشف تقرير أميركي أمني صادر عن مركز (سترا تفور) للاستشارات الأمنية في ولاية تكساس - عام 2009م -؛ عن دور إيراني في عمليات تهريب منتظمة، وقال: إنها كانت تتم من ميناء (عصب) الإريتري إلى السواحل القريبة ليتم نقلها لمعقل المتمردين الحوثيين. وأضاف التقرير أن تمركز القوات البحرية الإيرانية في خليج عدن، كان لتأمين طرق جديدة لتهريب الأسلحة للتمرد الحوثي. وفي حال أقام الحوثيون منطقة نفوذ مستقلة في شمال الشمال باليمن، يمكنهم من إيجاد منفذ بحري لهم؛ خاصة ميناء (مِيدي) الساحلي، على ساحل البحر الأحمر، والقريب من المياه السعودية، وهو ما يمنح إيران نفوذا بحريا إضافة إلى وجودها المسبق في إرتريا، وهدف إيران بعيد المدى أن يقوم الحوثيون في اليمن بنفس الدور الذي يقوم به حزب الله في لبنان، وأتصور أن نصر الله والحوثي سقطا سقطة الإخوان الإرهابية إثر مشاركتهما في برك الدماء العربية. إن إيران تسعى إلى إيصال فكرها إلى مصر عن طريق باب المندب المتحكم في قناة السويس أحد أهم مصادر الدخل القومي المصري، وهي تحاول إيصال أفكارها إلى الشعب المصري، من خلال زرع شبكات تجسس لصالحها ونشر الفكر الشيعي فيها، تحت ادعاء أن المجتمع المصري هواه شيعي وعقيدته سنية، وهو حق أريد به باطل فلا يوجد مصري يجرؤ على سب السيدة عائشة أم المؤمنين . وعلى مستوى الوجود في السودان، كان هناك تعاون وتمويل إيراني لعمليات تصنيع السلاح في السودان لصالح المقاومة، ولكن شهدت هذه العلاقة خلافا، فاضطر السودان إلى أن يطرد المكاتب الثقافية الإيرانية بسبب اكتشافه أنها تقوم بعمليات تشييع ، وكانت هذه بداية تناقض في المصالح لكن الوجود الإيراني بصورة أو بأخرى لا زال موجودا داخل البحر الأحمر، تهديدا لأمن مصر القومي. خلال ال30 سنة الماضية عايشنا تجارب مختلفة في التعامل مع الجماعات الإرهابية التي استخدمت الدين، ففي بدايات الثمانينات شهدنا حزب الله، الذي افتتح شريط العنف السياسي باسم الدفاع عن الإسلام وتحت زعم مقاومة العدو الصهيوني، وهو في الواقع جزء من مشروع تصدير الثورة الإيرانية المتطرفة لبقية المجتمعات المسلمة، وتوازى معها التطرف السني في أفغانستان بما سمي الجهاد الإسلامي، وانغمسوا في الاقتتال هناك. وظل التطرف موجها ضد المجتمعات السنية، في العراق وسورية ومصر والسعودية وليبيا والجزائر والمغرب، وسوف تكشف الأيام عن دعم إيران الجماعات الإرهابية السنية مثل "القاعدة" و"النصرة" و "داعش" و"أنصار بيت المقدس". والتطرف الشيعي يسير في درب تنظيم القاعدة نفسه، ففي العراق أتوقع أن تصطدم ميليشياته لاحقا بعضها ببعض، وستستأسد على أبناء المجتمع العراقي، وهي كثيرة مثل (عصائب الحق، وكتائب حزب الله، وحركة النجباء، وحركة سيد الشهداء. وجماعة داغر الموسوي، وحزب الله العراقي) وها هو صوتها بات يعلو بتكفير وتهديد الشيعة الذين يختلفون معهم. وفي النهاية لم تكن المنطقة الخليجية ذات بعد طائفي وهذا واضح لمن يدرس التاريخ، سيعثر على نماذج من التعايش والجيرة بين البيوت والتكافل الاجتماعي والأسري والصلاة بأرض واحدة، وأن التعايش كان هو سيّد الموقف، بل لم يكن يعرف الجار أن جاره شيعي، وكانت الغلبة لحسن الظن والأخوة والمحبة والوئام.