لا يزال يذكر ويشكر نصيحة معلمه "طه عامر" أستاذ التربية الفنية بمعهد المعلمين في الرياض الذي نصحه باستخدام الألوان الأساسية إلى جانب اللون الأبيض، وتجنب بقية الألوان، كان ذلك عام 1960 ليغدو بعدها "سعد العبيد" الذي يذكر اسمه ضمن أفضل الفنانين في المملكة. لحظات وداع الشمس، عندما يلوح بريقها الذهبي بين رؤوس النخيل وتتخضب السماء بألوان الغروب البرتقالي مع الفستقي والبنفسجي مع الرمادي المزرق، تتماوج مع الأزرق الفاتح في لوحة خلابة أبدعها خالق الكون، مناظر يومية أثرت في ارتباطه بالطبيعة، لتنعكس على تجربته الغارق في تجسيدها فنيا. يذكر العبيد، من طفولته، لحظة استلقائه على الحصير، يتأمل السقف بمكوناته الممثلة للطبيعة، خشب الأثل المتعرج، والجريد المتدلي على الجدار العلوي من السطح، منسجما مع زرقة السماء الصافية. كان يحاول نقل ما يقع تحت عينيه بالطباشير على حيطان المنزل قبل الخروج لفضاءات الحي وأطراف المدينة، إذ المزارع في ناحية، وفي نواح أخرى مناظر صحراوية عشقها مبكرا. كان يبهره موكب الملك سعود بن عبدالعزيز ورجال حاشيته بملابسهم التقليدية المطرزة بألوان بهيجة، فيشتعل رسما. سعد عبدالله العبيد الفنان الفطري الذي حشد في ذاكرته المكان، استجمع كل ذلك، تتقدمه نصيحة طه عامر التي شبهها بوصفة طبية من طبيب بارع، حددت شخصيته الفنية، فصار يتعامل مع الألوان الأربعة، ولو توافر لون ثانوي جاهز، لا يفضله بل يعمد إلى تركيب اللون لأنه الأقرب إلى نفسه، يجد متعة في الحوار مع اللون أثناء مزجه، أو وهو يناغيه على أرضية اللوحة. الجداريات الكبيرة، يبرع فيها وهو ينفذها بسرعة ودقة متناهيتين وجرأة ليس لها حدود دون أخطاء، تدعمه موهبة حقيقية مرفقة بابتسامته الدائمة وروحه الشفافة. التقاء العبيد مع رفيق دربه وصديق عمره الرائد الراحل محمد السليم عمق فيه المعرفة الفنية، عقب التخرج من معهد المعلمين.. رائدان معا في الطائف في دورة فنية، ثم يمضيان معا في حقول العمل ما بين التعليم والتلفزيون حيث عملا في هندسة الديكور، وخلال المعارض التي قدماها للساحة، كل ذلك خلق الصداقة التي جمعتهما لتنمية الذائقة اللونية لديهما، لينضما إلى سرب من رواد الحركة التشكيلية في المملكة على مدى قرابة 50 عاما. حارات الرياض التي ولد فيها 1945، بمحدودية شوارعها، وعفوية الأبواب والنوافذ وألوانها البسيطة، مثلت بديلا غذى ذائقته طفلا، في ظل ندرة الثقافة اللونية، لتقوده تأملاته في ممرات حي الظهيرة وبيوت الطين بامتداد حي الشميسي، إلى تلمس مقاطع فنية أبدعتها أنامل فنان فطري، فبدا وهو يخرج من الظهيرة إلى أعالي وادي حنيفة ليرمي ببصره أسفل الوادي على إطلالات النخيل، غارقا في إحساس الفنان الصادق، يسرقه الوقت حتى يزاحمه الليل، فيرسم. سعد العبيد داعب بريشته الصحراء واقتبس منها الأبدية غير المنتهية. من حي الظهيرة حيث النشأة الأولى إلى الشميسي فالجرادية، حتى الاستقرار في حي الملك فهد، روح لفنان كونته بيئة تميزت بالحس الشعبي، وزرعت فيه قيم الفنان الحقيقي، نقي القلب، نبيل العطاء، فإلى جانب عدد المعارض الفنية الشخصية والجماعية، لم ينس المعارض الخيرية، مساهمة منه كفنان لدعم الأعمال الإنسانية، لمصلحة بعض الهيئات والمؤسسات الخيرية كلجنة أصدقاء المرضى، مسلمي البوسنة والهرسك ومركز الأمير سلمان الاجتماعي. برع في التعامل مع الألوان المائية إلى درجة كبيرة حتى صار مرجعا فيها وأستاذا لها ورائدا من روادها، يستفيد منه طلبة الجامعة، خاصة مع افتتاحه مرسمه الشخصي في منزله، ليكون مقرا للتدريب ومعرضا دائما يضم المئات من نتاجه الطويل. منذ 30 عاما تفرغ للإعداد والتنسيق للمعارض التشكيلية الجماعية والفردية منها التي استثمرت خبراته المتراكمة على مدى سنوات العطاء. يفضل العبيد في تمويل المعارض من يحسن التعامل في البحث عن ممول من القطاعات الحكومية والأهلية مقابل الدعاية لها بمطبوعات المعرض، وخلص من واقع تجربته إلى أن الجمهور متعطش للأنشطة المنبرية في المجال التشكيلي على هامش المعارض كالحوارات المفتوحة والمحاضرات والندوات. يرصد العبيد - برؤية وعقلية الفنان المؤسس معرفيا - جميع المعارض التي يشرف عليها سواء الخاصة أو الجماعية وتدوينها في ألبومات لصور الأعمال الفنية المشاركة، وتوثيق ما نشرته الصحافة عن المعرض قبل وأثناء وبعد المعرض، فلا تخلو رحلة من رحلاته إلى أي منطقة من ألبوماته الخاصة بمراحلها الفنية وألبومات المعارض التي أعدها ليطلع عليها الجميع من فنانين ومتذوقين.