بين تقديم الدعم الإعلامي من خلال احتضان فضائيات الانقلابيين، والبدء في عملية غسل الأدمغة، وشراء الولاءات بالمال والوعود بالمناصب المرموقة، تقوم استراتيجية إيران الرامية إلى تصدير ثورتها المشبوهة إلى دول المنطقة، بدءاً باليمن. "الوطن" تسلط الضوء على الدور الذي لعبه الرئيس المخلوع، علي عبدالله صالح، في إفساح المجال أمام طهران للتدخل والتلاعب بمصير دولة كاملة، إضافة إلى تسليط الضوء على الجمعيات والهيئات المدعومة من النظام الإيراني، التي قدمت الدعم المادي والفكري للمتمردين الحوثيين. صار مكشوفا أن إيران تتولى تقديم الدعم الكامل لوسائل الإعلام التابعة لميليشيات الحوثي في شمال اليمن، وفي الجنوب لبعض فصائل الحراك الجنوبي، وذلك من خلال احتضانها لثلاث قنوات فضائية، تقع مقراتها في بيروت تحت إشراف حزب الله اللبناني، وهي قنوات "المسيرة"، و"الساحات" و"عدن لايف"، ومن أجل دعم هذا التحرك، قامت طهران بدعم انفصال الجنوب، وإعادة الإمامة للشمال، تمت تسميتها "يمن خوشحال" التي تعني "اليمن السعيد"، عبر وسيلتين مهمتين، الفوضى الجماهيرية، والتمدد المسلح، بدأ تنفيذه منذ اندلاع الاحتجاجات في اليمن، بتمويل 20 وسيلة إعلامية فضائية وورقية وإلكترونية. كما جرى تمويل إطلاق عشرة مواقع إلكترونية لجهات وأشخاص ومجموعات تعمل في إطار المخطط ذاته، وهناك ثلاث فضائيات موجهة للجمهور اليمني يجري تمويلها لتنفيذ عملية غسل الأدمغة، حيث ترجح المصادر أن الإشراف المباشر عليها يتم من طهران، وهي قناة "المنار" اللبنانية، وقناة "العالم" الإيرانية، والثالثة قناة عراقية، مع إقامة دورات تدريبية تقدم في بيروت للكوادر الإعلامية، عن طريق منظمات لبنانية تتبع جهات محسوبة على إيران، وتركيز هذه الدورات على قوى اليسار والإعلاميين الحوثيين. شراء الولاءات لم يقف شره التمدد الإيراني عند المستوى السياسي والإعلامي فحسب، بل تعدى الأمر إلى الدعم المالي والعسكري وشراء الولاءات بالمال والوعود الوهمية بالمناصب المرموقة، ففي الفترات الماضية تمكنت الأجهزة الأمنية من إيقاف عدد من محاولات تهريب الأسلحة إلى اليمن، كما حصل لسفينة جيهان 2 الإيرانية التي تم إيقافها وتفريغ حمولتها في ميناء عدن وبحضور رئيس جهاز الأمن القومي، ووزير الداخلية، وخضعت حملة السفينة لفحص لجنة خاصة من الأممالمتحدة التي أكدت تورط إيران في الأمر. يؤكد الباحث اليمني حمود ناصر القدمي في دراسة تحليلية صادرة عن المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية على وجود كثير من الأهداف التي تسعى إيران إلى تحقيقها من تدخلها في الشأن اليمني، أولها تصدير الثورة، والترويج لمذهبها العقدي عبر التقارب الظاهري مع المذهب الزيدي. ويضيف "موقع اليمن الجيوسياسي يمثل نقطة جذب لصراع القوى الدولية والإقليمية، لذلك تخطط إيران لتنفيذ أهداف ترتبط بهذا المنظور، وتسعى بطرق حثيثة، إلى إيجاد موطئ قدم لها في منطقة باب المندب، أهم شريان بحري للتجارة الدولية، مشيراً إلى أن إيران اتخذت أساليب متعددة لتنفيذ مخططاتها التوسعية في الخليج العربي، انطلاقا من اليمن، لضرب وحدة الصف الخليجي. ويرى الباحث أن التدخل الإيراني ستكون له تداعيات سلبية على اليمن، أولها زيادة وتيرة الصراع، والشواهد على ذلك كثيرة، فالأسلحة الحديثة التي تملكها جماعة الحوثي، وبكميات كبيرة، مصدرها إيران، لمحاولة فرض واقع جديد على الأرض. بداية التدخل عند قيام الثورة الإيرانية عام 1979، التي نشبت في أعقابها الحرب العراقيةالإيرانية، وقف النظام اليمني بكل قوة مع النظام العراقي، ووصلت العلاقات الثنائية بين بغدادوصنعاء إلى مستوى التحالف الاستراتيجي والتنسيق والشراكة، حيث شاركت اليمن بإرسال عشرة ألوية عسكرية للقتال إلى جانب الجيش العراقي، بحسب تصريح قيادة الجيش اليمني حينها، وتعتبر هذه الحقبة هي بداية الخلاف الذي تأسست عليه العلاقات اليمنية الإيرانية، وساد اعتقاد بعد انتهاء هذه الحرب بأن الأوساط الإيرانية بدأت في تصفية حساباتها مع الأنظمة والدول التي وقفت ضدها في الحرب. وكانت فكرة تقويض النظام السياسي اليمني هدفًا من أهداف إيران، حيث استغل مؤسس الحركة المتمردة حسين الحوثي الدعم الإيراني المخصص لتصدير الثورة الذي كان في بداية الأمر فكرياً أكثر منه مادياً، إلا أنه تحول إلى دعم مادي وعسكري بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق. تواطؤ المخلوع يؤكد أحد المحللين السياسيين أن مجموعة من المؤشرات التي تؤكد قيام النظام الإيراني بدعم جماعة الحوثي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، منذ زيارة بدر الدين الحوثي وولده حسين إلى إيران، حيث قامت طهران بتقديم بعض الدعم لهذه الجماعة تحت دعاوى مختلفة، خاصة بعد عام 1994 نتيجة محاولة النظام السياسي اليمني الانفتاح على إيران لفك عزلته العربية، ما مكن إيران من توسيع نشاطها، وفتح مستشفى لها في العاصمة صنعاء، لذلك نشطت السفارة الإيرانية في تقديم مساعداتها، حيث بلغت قيمة فاتورة واحدة منها 650 ألف دولار أميركي، كان نصيب تنظيم "الشباب المؤمن" مبلغ 20.080.000 ريال يمني، كما بلغ دعم السفارة الإيرانية للمراكز الصيفية خلال الفترة من 2000 إلى 2002 مبلغ 22.381.000 ريال يمني، منها مبالغ مخصصة لإقامة الدورات التي نُفذت، حيث أقيمت 12 دورة في صعدة وحدها. تولى كثير من الجمعيات والهيئات الواقعة في الداخل الإيراني أو في الخارج تقديم الدعم المادي والفكري لجماعة الحوثي بنسبة أو بأخرى، قبيل اجتياحها للمحافظات اليمنية.