لم يسبق لليمنيين أن تجرعوا معاناة كهذه بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وحرمانهم منه لأوقات طويلة تمتد لعدة أيام، لارتباطه أساساً بالحياة اليومية لكثير منهم. فغرق المدن اليمنية في الظلام واستمرار هذا المعضلة لفترات طويلة، أدى إلى وضع سيئ، علاوة على خسارة كثير من أصحاب المشاريع الخاصة لأعمالهم، بل وصل الحد إلى وفاة مرضى يتطلب علاجهم وجود كهرباء، إلا أن انقطاع التيار الكهربائي بسبب انعدام المشتقات البترولية الضرورية لتوليد الكهرباء يؤدي في الغالب إلى وفاتهم. كل هذه المآسي تحدث وسط صمت وغموض حول المتسبب الرئيس لها، علاوة على أن مرتكب الجريمة ما برح يروج، عبر أبواقه الإعلامية، أن جهات أخرى، تقف وراء هذا الوضع الصعب. وتعود أسباب المشكلة إلى شهر مضى، حين اعتدى مسلحون حوثيون على خطوط نقل الطاقة الكهربائية في محافظة مأرب شرقي اليمن وأطلقوا النيران باتجاهها، ما تسبب في انقطاعها وخروج محطة مأرب الغازية عن الخدمة تماما، وهي المحطة الأكبر توليداً للكهرباء في اليمن، وتعتمد غالبية المدن الرئيسية، ومن بينها العاصمة صنعاء، على إنتاجها. كان بالإمكان حل هذه المشكلة في غضون يومين بالكثير، من خلال تكليف الفرق الفنية بإصلاح الخلل، لكن مسؤولا في المؤسسة العامة للكهرباء كشف ل"الوطن" عن عرقلة الميليشيات الحوثية، التي باتت تسيطر بالقوة على المؤسسة ووزارة الكهرباء لمهمة الفريق، حيث منعوه في البداية من النزول لأيام، ثم سمحوا له بذلك أخيراً. وأضاف المسؤول في تصريح خاص إلى "الوطن" "بعد مرور ما يقارب أسبوع على الاعتداء، نزل الفريق الفني المكلف لمعاينة الخلل، وتم الاتفاق مع طرفي الحرب في منطقة الجدعان بمحافظة مأرب، لإقرار هدنة بين الحوثيين ورجال المقاومة الشعبية، حتى يتمكن الفريق الهندسي من القيام بمهمته. وقبل انتهاء الفريق من ذلك، باشرت ميليشيات الحوثي بإطلاق النار باتجاه المهندسين، ما دفعهم إلى مغادرة الموقع، ليتكرر هذا الأمر في اليوم التالي مباشرة حين نقض الحوثيون الهدنة للمرة الثانية، وهو ما دفع الفريق إلى مغادرة المنطقة بشكل نهائي". ويؤكد ما أورده المسؤول، بيان أصدرته قبائل مأرب اتهمت فيه المتمردين الحوثيين بمنع الفرق الفنية من إصلاح الأعطال في منطقة "الجدعان" وإطلاق النار باتجاهها لأكثر من مرة، مؤكدين موقفهم المبدئي تجاه مصالح الشعب وحرمة المساس بها. وقال البيان، الذي حصلت "الوطن" على نسخة منه "نؤكد مرة أخرى أننا على أتم الاستعداد للتعاون مع الفرق الهندسية لإصلاح الأعطال، حتى يتم التخفيف من معاناة شعبنا التي تسببت فيها سيطرة الميليشيا الحوثية على مفاصل الدولة. وعن محطات الاحتياط التي توجد في العاصمة صنعاء، ومنها محطتا "ذهبان"، و"حزيز"، قال المسؤول إن ميليشيات الحوثي رفضت إدخالها إلى الخدمة بشكل كلي، بحجة استهلاكها لكميات كبيرة من المشتقات النفطية. وأكد أن الحوثيين يستلمون كميات المشتقات المخصصة لمحطات التوليد في أمانة العاصمة، ويوردونها إلى أماكن مجهولة، فيما يظل سكان العاصمة في ظلام دامس طوال 24 ساعة بسبب تحديد الحوثيين ساعات قليلة جداً لعمل هذه المحطات الاحتياطية التي بإمكانها توليد التيار الكهربائي ولو لساعات يستفيد منها المواطنون. إلى ذلك، حذر برنامج الغذاء العالمي من أنه سيضطر إلى وقف تسليم المساعدات الغذائية في اليمن بسبب عدم توافر الوقود اللازم لتنفيذ عمليات التسليم. وأضاف البرنامج أن الوقود نفد بالفعل في محافظة الحديدة، ولذا علقت عمليات توصيل المساعدات فيها. ونبّه إلى أن مخزون الوقود يوشك على النفاد في جميع المحافظات الأخرى. ويحتاج نحو نصف سكان اليمن إلى مساعدات غذائية. ويصف برنامج الغذاء العالمي تسليم حصص الغذاء الطارئة بأنها عملية إنقاذ لحياة المنكوبين.