لم يعد العمل داخل المؤسسات الرياضية بكامل قطاعاتها ومسمياتها الرسمية الكبيرة منها والصغيرة.. عبث أو ترف..!. ولا بحثا وسباقا محموما نحو دوائر الشهرة والأضواء فقط..!. بل أضحت مساحة للتخطيط والإنتاج والعمل، ومساحة مكشوفة للشمس والرياح.. يتناولها المنصفون من النقاد والمراقبين والمتابعين. وعليه فإن شواهد المنتج والخراج لركض وعمل هذه المؤسسات (نجاحا أو إخفاقا)، هو الحسم والفيصل في محاكمة الآراء وقناعة الآخرين..!. مد وجزر ونادي الوديعة الأبهاوي (قبل التعديل)، ظل على مدار ثلاثة عقود من الزمن الجميل يتقاسم مع بقية أقرانه من أندية الجنوب نتائج وحصاد دوري المظاليم، ما بين مد وجزر، وظل يحمل في هويته مع نهاية كل موسم (لم ينجح أحد)، رغم حظوته بالمتابعة الجماهيرية الطاغية التي تحتشد في معيته داخل مدينة أبها وخارجها، ورغم توافر النجوم اللامعة والمتزاحمة في كامل درجاته وفئاته السنية، ورغم اصطفاف الأسماء الإدارية الثقيلة بخبرتها ودهائها، والمتعاقبة على رئاسته وعضوية مجالسه الإدارية. رغم كل هذا، إلا أن هاجس الصعود لدوري الدرجة الأولى على الأقل مقلق، ومثقل بحسابات الخوف من البقاء في هذه الدرجة لفترة أطول..!. المرحلة الذهبية ومع مرحلة النادي الذهبية التي تصدى لها بكل جسارة واقتدار عبدالوهاب آل مجثل، الذي جاءت معه جرأة تغيير المسمى، وحلت مرحلة استقطاب نجوم المنطقة والمدينة، وأعلنت قرارات إحلال الكفاءات والأصوات الجديدة في كل أجهزته الفنية والإدارية. وأطل النادي وتنفس من خلال القنوات الإعلامية العادلة منها والمتحفظة وحتى المعارضة، وأصبح رقما في المتابعات الإعلامية اليومية، ومعها كرست هذه الإدارة للمجتمع والناس أن نادي أبها الرياضي ضاق ذرعا من خيبات دوري المظاليم وعزله لطاقات الرجال وطموحات النجوم، وأضحت مقارعة الكبار في الدوري الممتاز هدفا مستحقا وتحولا طبيعيا ومن أبسط حقوقه، فكان له ما أراد وصعد جامحا إلى مدن الأضواء والضجيج. ومع هذه المرحلة الأبهاوية الذهبية تعثرت الخطى بسوء الطالع في اتخاذ القرار في مجلسه الإداري الذي قلب الطاولة والعودة به سريعا لدوري الأولى. المعادلة الرابحة وبنشوة وبقايا دوري الكبار عاد الفريق من جديد بإدارة سعد الأحمري إلى المكان الذي يليق بناد عريق كأبها، لكنه وبسوء حسابات الطالع الإداري كذلك انتكس وعاد إلى محطته الأولى وتوقف عن النهوض مجددا لاستكمال تجربته في الصعود للممتاز. وكانت مشاوير الأربع سنوات الأخيرة في عهد الأحمري حافلة بالعمل والثبات في دوري الأولى، ومعها جملة من الترقب والأمنيات باستثمار نضوج تجربته الإدارية واستقرار ناديه على الصعيد المالي، والتي تجاوزت العشرين مليونا خلال فترته الرئاسية بأن يفعلها ويسمع أهلها بنبأ صعود ناديها إلى مصاف الكبار للمرة الثالثة، لكن الصوت الإداري كان خافتا وبعيدا وربما كانت القناعة بكسب رهان الصعود غير منطقي، لأسباب القبول بالبقاء في دوائر دوري الدرجة الأولى أهم من مغامرة الصعود (المكلف)، أو الخروج من سدة الرئاسة بكارثية السقوط لدوري الدرجة الثانية فكانت المعادلة الإدارية الرابحة، والخروج بالنادي واقفا في منتصف الطريق. العمل التنظيمي ومع المشوار الإداري الجديد الذي تولى مهامه الرئيس الجديد أحمد الحديثي بقضه وقضيضه بما فيها خزينته المالية المقدرة ب48 ألف ريال كوثيقة علمية إدارية حديثة مفادها أن النادي خالٍ من الديون والمطالبات، لتبقى رهينة (وكما هي العادة) في ذمة لجنة الحسابات بالرئاسة العامة لرعاية الشباب والمخولة مع أمين الصندوق السابق بإعلانها أمام الجمعية العمومية للنادي. وعليه انطلقت رحلة الأربع سنوات الجديدة ب48 ألف ريال، وكان على مجلس الإدارة الجديد أن يلملم أوراقه ويستعيد أنفاسه لحلة جديدة في تنظيم عمله الإداري كما فعلها غيره، لأن معظم سياساتنا الإدارية تخضع للارتجالية ولا نلتزم بنسق نجاحات وخطط الإدارات السابقة (إن وجدت)، ونمضي بها نحو الاستكمال والتطوير، فكانت مرحلة الحديثي تؤمن بالتنظيم والتحديث والتوجه نحو العمل المؤسساتي الصرف، وتتطلع كثيرا إلى استعادة معظم الألعاب الرياضية المغيبة وربما العائدة من جديد، وتحرص على استقطاب كل الأصوات بعيدا عن الإقصاء، وهذه الروح القيادية كانت بحق واحدة من أولويات الحديثي وتحدياته، ولعله نجح في استعادة تنظيمه الإداري وتمكن من بناء هذه القاعدة كاستثمار مؤسساتي لافت وكمرجع إداري على المدى الطويل. الثقة المطلقة وفي المقابل كانت مسيرة الفريق الكروي الأول تمضي خلال السنتين الأوليين لرئاسته بروح وثقافة البقاء في دوري الدرجة الأولى، ومحملة بثقة المدرب التشيكي "عبدالسلام أوتاكار" الذي استثمر هذه الثقة بالقبض عليها وتحويلها إلى مسرح مكشوف لاستقطاب وإبعاد من يريد من نجوم الفريق، وسط ضعف صريح في إدارة الجهاز الإداري الذي واكبه منذ البدايات. وفي خضم هذا التراجع الواضح في بناء وانسجام اللاعبين عبر السنة الثانية تمكنت الإدارة من إقناع رجل المهمات الصعبة ونجم النادي الخبير عبداللطيف شعثان بقيادة الجهاز الإداري بداية هذا الموسم والرامية إلى استعادة هيبة الفريق، فكان إجماع المجتمع الأبهاوي حافل بالثقة والرضا. وكان معسكر أبو ظبي قبل انطلاقة الدوري لهذا الموسم بمثابة غربلة مهمة وقراءة أكثر أهمية لاختبار عمل الجهاز الفني والوقوف على إمكانات اللاعبين السلوكية والفنية لخوض غمار السباق بكل ثقة واطمئنان. تقرير شجاع وفي أعقاب العودة من المعسكر الخارجي، كان التقرير الشجاع لمدير الكرة شعثان بالاستغناء عن خدمات المدرب التشيكي، وإبعاد عدد من لاعبي الفريق أولى خطوات التصحيح وبدايات الانطلاق. وبهذا (المحك) الصارم في صناعة القرار لمدير الكرة كان هناك في المقابل موقفا صادما من لدن إدارة الحديثي بإقالة شعثان والإبقاء على الجهاز الفني واللاعبين. منعطف الهبوط من هنا كانت بداية بعثرة الأوراق في العملين الإداري والفني، وبدأت رحلة التفريط في النقاط منذ الجولات الأولى للسباق، وبدأ التسليم بتغيير الجهاز الفني وتمت إقالة "أوتاكار" وتسلم التونسي بسام السلامي المهمة "مؤقتا"، قبل التعاقد مع الإيطالي "ريكاردو" سعيا من الإدارة إلى تعزيز ثقافة الفريق الفنية ورفع روحه المعنوية، لكنها جاءت متأخرة وأخفقت في التوقيت ولم تنجح فكان القرار الأخير بإقالة المدرب الإيطالي، والتعاقد مع التونسي الخبير بدوري الدرجة الأولى جمال بلهادي، والتسليم بتجربته مع الدوري المعقد والمحفوف بالمخاطر لإنقاذ ما يمكن، لكنه جاء متأخرا وشاهدا على ورقة الهبوط وسقوط الفريق إلى الدرجة الثانية، ومسلما الراية للمدرب الوطني إبراهيم العاصمي في آخر جولات الدوري. معوقات وتداعيات حدث كل هذا السيناريو وسط جملة من الأسباب والتحولات التي واكبت إدارة الحديثي لعل في طليعتها عدم الانسجام الصريح في منظومة مجلسه الإداري، وهذه من فلسفات وبركات الجمعيات العمومية لأنديتنا الرياضية بكل حزن وأسف، والسلبية الواضحة لقيادة النادي بابتعادها عن الإعلام والمكاشفة للرأي العام بالحقائق السلبية منها والإيجابية، إضافة إلى ابتعاد المحبين والمقربين عن مواكبة المستجدات وربما إن إغلاق رئيس النادي لأبواب التواصل برغبته ساهم في التأزيم وتراجع حماسة وعواطف المحبين. كما كانت التطلعات باستثمار شيء من المكرمة الملكية بدفع المزيد من المكافآت المرتفعة للاعبين تشجيعا ودعما ولضمان البقاء. في المقابل، صحيح أن مقر النادي وإمكاناته الضيقة والمؤقتة لا تسمح بتحريك العمل الإبداعي المنتظر وتنفيذ بعض البرامج والنشاطات والتدريبات حتى على صعيد الألعاب المختلفة، وكانت البدائل بعيدا عن المقر واضطر الفريق إلى الاتجاه يوميا للمدينة الرياضية في المحالة. صحيح أن الضوائق المالية وتداعياتها كانت وزرا متلاحقا جعلت رئيس النادي يتصدى لها (من جيبه الخاص) بما يزيد على مليون ريال، مع ما يدفعه أحد أعضاء مجلس الإدارة، والتي لا تتجاوز الخمسة والعشرة آلاف ريال، والذي كان يستثمرها كضغط صريح لتنفيذ أجندته ووصايته، رغم أنها كانت تأتي من باب السلفة المرتجعة.!. العودة بالتكاتف يجب أن نسلم بأن إدارة الحديثي والتي تبقى لها عام كامل من الآن، لديها القدرة والثقة والإمكانيات مع ما تمخضته هذه التجربة القاسية باستعادة التوازن والعودة سريعا بناديها إلى مقعده الذي يستحقه على أقل تقدير في دوري الأولى. الطموحات كبيرة وبلا حدود بأن تعمل الإدارة على ترتيب أوراقها من الآن والتركيز على اختيار جيد للجهازين الفني والإداري، والتركيز على كوكبة من اللاعبين الواعدين الذين تكتظ بهم درجتا الأولمبي والشباب، والذهاب نحو استلام المقر الجديد للنادي وقد عاد الفريق الأبهاوي جامحا ومنافسا في مصاف أندية الدرجة الأولى.