ظهور إعلامي متزامن، اتفق عليه رأسا الأفعى في اليمن زعيم المتمردين الحوثيين عبدالملك الحوثي، والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وكما اتفقا في توقيت الخروج فقد اتفقا كذلك في الهيئة الرثة التي ظهر بها الأول والتناقض الكبير في كلمات الثاني. وإن كان الحوثي قد ظهر على فضائية "المسيرة" بعد أن أجبرته غارات عاصفة الحزم العربي على العودة للكهوف التي خرج منها للمرة الأولى عندما عمل بائعا للرمل، فإن الثاني لا يزال مرتعدا من الظهور بعد أن سدت في وجهه آذان اليمنيين وأغلقت أعينهم، والأمر في الحالتين سيان، فكلاهما باتا جزءا من ماضي لا يريد اليمنيون استعادة ذكراه البائسة، وأصبحا طريدان ستنالهما يد العدالة عما قريب وتحاسبهما على ما اقترفته يداهما من جرائم في حق الوطن. الحوثي ظهر خائفا يترقب، سطر الرعب حروفه على ملامحه الغابرة، وبدت الرعشة في الصوت واضحة، وإن حاول أن يخفيها وراء محاولات مضحكة بتقليد ملهمه وأستاذه الفاشل حسن نصرالله، في رفع الإصبع وترديد البذاءات والشتائم، فصدق فيهما قول الله تعالى "ضعف الطالب والمطلوب". لم يجد الحوثي الذي لم يكن له حظ من التعليم سوى أن يحاول مخاطبة الشعب عاطفيا، وأن يستدر عطف اليمنيين ويتسول تعاطفهم، فألقى باللوم على "أميركا وإسرائيل"، وكأنهما هما من اعتدى على الشرعية في اليمن أو قتلتا المدنيين، وبات هذا الأسلوب الحوثي أسطوانة مشروخة مل اليمنيون من تكرارها، وسئموا من سماعها. كلمات الحوثي كانت مرتبكة وتشي بالخوف الشديد، فالرجل انشغل بمسح العرق الغزير الذي تصبب فوق جبينه، وحركات يديه أكدت شعوره بالتخبط والارتباك، وافتعاله للأكاذيب كشف مقدار الرعب الذي يعاني منه، كما أن لجوءه للشتائم والأقوال البذيئة أظهر مدى المأزق الذي وضع نفسه فيه. لم يبدو الرجل كما كان في السابق، شغوفا بالظهور على وسائل الإعلام، وكان كأنما اضطر للحديث مرغما، رغما عن أنها كلمة مسجلة. اللافت في الأمر أن الحوثي بدا وكأنه يرد على ما ذكرته الوطن، عندما أشارت قبل أيام – وفق معلومة مؤكدة - إلى أن طهران أوحت لعميلها ومخلب قطها بتجنب الظهور الإعلامي، خوفا من أن تطاله عمليات عاصفة الحزم، وسوف تنال منه ومن غيره عما قريب، فقال الحوثي "لم أضطر للحديث في فضائية المسيرة تنفيذا لأوامر إيران". وهو كما يقولون نفي يفيد التأكيد. وأثارت كلمات المفزوع الحوثي سخرية واسعة وسط وسائل التواصل الاجتماعي، الذين انهالوا عليه بالانتقادات، متسائلين "هل الأميركيون والإسرائيليون يوجدون في محافظاتعدن، وتعز، ومأرب، وشبوة، حتى ترسل ميليشياتك لقتلهم". وأشاروا إلى أن خطابه المفلس حمل بين جوانبه ملامح الهزيمة المؤلمة له، حيث كان عبارة عن حفلة من الشتائم والبذاءات. وأضافوا أن أبرز ما يؤكد تسليمه بالهزيمة هو أنه تخلى حتى عن إطلاق تهديداته الوهمية. ولم يتكرم حتى بأي توجيهات لميليشياته الإجرامية. أما المخلوع صالح فقد ظهر الاستسلام واضحا في ثنايا كلماته التي نشرتها أمس في صحيفة "اليمن اليوم". فقد بدا منهزما وضاعت ملامح الغطرسة التي عرف بها، حيث لم يمتلك سوى مناشدة الدول الخليجية إلى إطلاق حوار يمني برعايتها، ووقف عمليات "عاصفة الحزم". وهي ذات المطالب التي أصر على رفضها عندما تصور واهما أن تواطأه مع المتمردين، ووضع يده في أيديهم سيعيده إلى كرسي الحكم من جديد. حاول المخلوع أن ينفي عن نفسه تهمة التحالف أو التنسيق الميداني مع الحوثيين، مشيرا إلى أن لدى هؤلاء ميليشياتهم الخاصة، التي جعلتهم بديلا لسلطة الرئيس هادي وأنه لا يملك أي سلطة مادية أو معنوية عليهم "وعلى المجتمع الدولي ودول مجلس التعاون أن تسعى لإقناعهم"، وكأن لدى قادة دول الخليج متسع من الوقت لتضيعه في إقناعهم. ولعل المخلوع لم يدرك بعد أن دوره قد انتهى وأن يد العدالة سوف تطاله وذلك عندما أبدى استعداده التعامل بإيجابية مع القرارات الدولية لوقف الحرب. وعبر عن استعداد المؤتمر الشعبي العام للمشاركة في أي حوار تحت رعاية الأممالمتحدة وفق المبادرة الخليجية. وفات عليه أنه لا يملك خيارات تمكنه من التعامل بإيجابية أو بسلبية. ويشير المحلل السياسي اليمني صالح منصور إلى أن تحليل خطابي الحوثي وصالح يوضحان بجلاء أنهما أصبحا يشعران في قرارة نفسيهما بأن الأمور لا تسير في مصلحتهما، وأن دائرة الهزيمة تضيق حولهما، وقال في تصريحات إلى "الوطن" أمس "الحوثي اضطر للظهور الإعلامي لتحقيق أهداف عدة، في مقدمتها رفع الروح المعنوية المنهارة لمقاتليه، الذين يعانون من فقدان القيادة وعدم الاتصال بالقيادات العسكرية الميدانية بسبب الضربات المكثفة الدقيقة التي وجهتها لهم عمليات عاصفة الحزم، التي فككت البنية التنظيمية لهم. كما أراد إظهار أنه لا يزال قادرا على الظهور لكن المؤكد أن هذا الظهور المهزوز أتى بنتائج عكسية لما أراد له، فقد جعل من نفسه أضحوكة وسط اليمنيين، ورغم أن الحوار كان مسجلا ولم تتم إذاعته على الهواء، إلا أن الخوف الشديد كان واضحا على محيا زعيم الانقلابيين، وبدا كأنه مطارد غير آمن". ومضى منصور بالقول "أما المخلوع صالح، فالاستسلام واضح في كلماته ولم يقو حتى على الدفاع عن نفسه، وإذا كان حقا غير مرتبط بالمتمردين الحوثيين، فكان عليه أن يوجه أوامره الصريحة لفلول جنوده المنهزمة بوضع السلاح وفك الارتباط مع التمرد". واختتم ناصر تصريحاته بالقول إن الظهور الإعلامي الأخير للرجلين لم يكن ظهور المنتصرين وأنهما قد نجيا من عقوبة انقلابهما على الشرعية، بل كان أشبه بمن يرفع الراية البيضاء عقب هزيمته وخسارته كل نقاط القوة التي كانا يعولان عليها.