يحرص المسلمون على حضور خطبة الجمعة والاستماع لها والاستفادة منها، والاستزادة من محتواها، والتي يفترض بأنها مؤثرة في تقييم سلوك المسلمين وتعلمهم أمور دينهم في نواحي الحياة كافة، فهل جنت خطبة الجمعة ثمارها خلال السنوات الماضية، وهل أسهمت تلك الخطب في تطور المجتمعات الإسلامية أو حتى حثهم على ذلك؟ فلم أسمع خطيبا منذ صغري أنه حث المسلمين وشبابهم على الإبداع العلمي والتقني والاجتهاد فيه والإخلاص والتفوق مثلا، كنوع من العبادة، ومدى تأثير ذلك على تطور حياة المجتمعات الإسلامية ورفعتها، ومدى تأثيرها في انتشار الإسلام ومتانة شوكته. هب أن أحد المسلمين اكتشف علاجا لمرض خطير ومستعصٍ، وصنع هذا الدواء في مصانع الدول الإسلامية، ثم انتشر هذا الدواء في كل بقاع العالم ليعرف أهل تلك الدول ومرضاها أن هذا الدواء اكتشفه مسلم وصنع في بلد إسلامي، أما سيتبادر إلى أذهان تلك الشعوب السؤال عن ذلك المكتشف وهويته وجنسيته وديانته وكذلك طبيعة تلك البلاد الإسلامية، وخلق أهلها ومدى تأثير دينهم على حث أتباعه على الإبداع والإنتاج والتطور وخدمة البشرية، والرقي بالإنسانية؟ أما سيؤدي ذلك إلى انتشار رقعة الإسلام والترغيب فيه واعتناقه؟ ذلك مثال بسيط على استغلال خطبة الجمعة وتوجيه أبناء المسلمين إلى إيجابيات غفل عنها خطباؤها منذ مئات السنين، لكن العلم والعمل جانبان ثانويان يبدو أنه لا حاجة لنا بهما وليستا من العبادات في شيء. جانب آخر أود الإشارة إليه هو الدعاء الذي نسمعه في نهاية الخطبة الذي يتكرر على أسماع المسلمين حتى أصبح سلوكا متوارثا أساء سلوك كثير من المسلمين، ففي الدعاء (اللهم دمر الكفر واليهود والنصارى وضعف شكوتهم.... إلخ)، والذي خلق فجوة بين المسلمين فيما بينهم وبين المسلمين وأهل الكتاب في الوقت الذي ندعيه دين سلام ومحبة وحسن سلوك وجمال عشرة، هكذا يتناقض المسلمون مع سلوكيات دينهم فكيف ندّعي حسن الخلق ونحرض على دمار أمة كانت سببا في علاج مرضانا وتطور حياتنا ورغد معيشتنا؟. ليكشف هذا السلوك النقاب عن حالات التناقض التي يعيشها المسلم بين القول والعمل والسلوك، فمكبر الصوت الذي يدعو به على اليهود والنصارى وغيرهما من صنعهم والطاقة والإنارة والمكيفات و... إلخ التي تشغل مساجدنا ومنازلنا وشوارعنا من صنعهم حتى ملبسنا ومركبنا وعلاجنا وكل مستلزمات حياتنا من صنعهم، فكيف نحرض عليهم ثم نستخدم منتجاتهم، حتى أصيب شبابنا بشيزوفرينيا في مراحلها المتأخرة، فكيف نتبنى شعارا ونعارضه سلوكا، فتلك أدلجة سيكولوجية تمخض عنها سلوك انفعالي طمس معالم حسن الخلق وسمو التعامل مع الآخرين، والتي تعتبر أهم مميزات المسلم الحقيقي والتي تسببت بشكل مباشر وغير مباشر في سلبيات يدفع المسلمون ثمنها اليوم، فمن أوليات الإسلام الحث على سلامة النفس وإحيائها، وجمال الخلق ورقي التعامل مع الآخر كالتسامح والسلام ورد الجميل بالجميل.