على رغم دعواتها خطباء الجمعة في جوامع السعودية إلى البعد عن إثارة القضايا الجدلية المتمثلة بالخروج للقتال في أماكن الحرب، فإن وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد تدعو عبر موقع «الأسلام» الإلكتروني إلى إحياء روح «الجهاد» ودعم المقاتلين بالمال لشراء الأسلحة، كما يحذر الموقع التابع للوزارة عبر دراسات ونماذج من الخطب المختارة في الموقع من «الابتعاث» و«العلوم العصرية» والمدارس الأجنبية، واصفاً العائدين من الابتعاث وخريجي المدارس الأجنبية ب«المنحلين» و«أصحاب خصل رذيلة». لم تخف حدة الانتقاد الموجهة إلى الوزارة بصفتها المسؤولة عن خطباء المساجد وما يقومون به من تأثير مباشر في العامة، وخصوصاً بعد القبض على عدد من خطبائها في خلية إرهابية في محافظة تمير أخيراً. وعلى رغم أن الزائر للموقع يلاحظ وجود قسم خاص (بانر) للتحذير من الإرهاب والكراهية والغلو في الدين، إلا أن الخطب التي يحويها الموقع معظمها تحرّض على الكراهية، وتشجع على استهداف الآخر في مضامينها. إذ يدعو موقع «الإسلام» الإلكتروني التابع للوزارة بإشراف الوزير شخصياً، في دراسات متعلقة بأساليب الخطب إلى إحياء روح الجهاد والقوة في نفوس الأمة، وإشعال جذوة الحماسة لحماية حرمات الإسلام ومقدساته وأوطانه، وصون دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، والدفاع عن عقيدة الإسلام وشريعته، والعمل لإزالة الطواغيت معوِّقي سير دعوته. ويشدد الموقع - بحسب إحدى الدراسات فيه - على الالتزام بما جاء عن خطب الجمعة في توصيات مؤتمر رسالة المسجد، المنعقد برابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمّة، المنعقدة في رمضان عام 1395 ه، والمتمثلة بألا تُفرض على الخطيب خطبة موجهة من السلطان، يرددها ترديداً آليا لا روح فيه، وأن تترك له الحرية في اختيار موضوعه وإعداده وأدائه بالطريقة التي يرضاها عقله وضميره، وفقاً لما درسه من كتاب ربه وسنة نبيه. كما يقدم الموقع نماذج من الخطب المختارة التي تحث على الجهاد بالمال، ليستعين به المجاهدون على شراء الأسلحة، وأن ذلك مقدم على جهاد النفس، وأن المسلمين كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. وعدد الخطيب أسباب تأخر النصر عن المسلمين في الجهاد، منوهاً بأن المسلمين متى ما قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا وشريعته هي الحكم، ستقوم دولة إيمانية تعادي من عادى الله ورسوله، وتكون العاقبة للمسلمين في الحكم على أراضي الكفار وديارهم وأموالهم كما أورثها سلف هذه الأمة. فيما لفتت خطبة أخرى في الموقع، إلى أن من أسباب النصر على الأعداء وإبطال كيدهم، إعداد العدة للأعداء بالقوة المعنوية والحسية بصمت وحكمة، حتى تأتي الحاجة إليه، من دون تفسير ماهية تلك العدة. وحذرت خطب الجمعة المختارة في الموقع من «الابتعاث» والدراسة في بلاد الغرب، محذرة الشاب المسلم من أن قادة الكفر يريدون القضاء على الدين وانتزاعه من قلب الشاب المبتعث، ليصبح خاوياً من الحياة، مطالباً بألّا يلقي الطالب بدينه إلى التهلكة. كما وصف الخطيب ذاته من عاد من بلاد الكفر، بالمنحرف عن الإسلام المتغير في عقيدته، مضيفاً «منسلخ من عبادته، ذهب إلى بلاد الكفر وهو يفخر بالإسلام ورجع وهو يسخر منه». وزادت حدة الهجوم على التعليم في خطب الجمعة المعنونة ب«الفواكه الشهية في الخطب المنبرية»، إذ تناولت خطبة تعنى بإصلاح التعليم، التحذير من العلوم العصرية التي لم تُبن على الدين، واصفة إياها ب«المادية وشرها طويل»، كما وصفت الخطبة العلوم العصرية بأنها «لا تعدو كونها صنعة من الصناعات، تهبط بأصحابها إلى أسفل الدركات»، وجاء في الخطبة اتهام بانحراف المدارس التي أهمل فيها تعليم الدين، ما أدى إلى انسياق أهلها إلى الإلحاد، ووصفهم بالمنحلين وأصحاب خصل رذيلة يسعون لأغراض النفوس وخسيس الشهوات. وطالب الخطيب بإصلاح التعليم بإيصال المعارف إلى الأذهان من دون إزحامها بكثرة الفنون التي لا تتحملها العقول ولا تطيقها أو تحفظها، إذ إن العلوم - بحسب تعبيره - يضيع بعضها بعضاً، وتوجب الكسل والملل، ما يسبب أعظم الأضرار وشدة الخلل لدى الطلاب. وفي السياق ذاته وجهت إحدى الخطب في موقع الوزارة، التحذير من المدارس الأجنبية بلغة مشابهة، مشيرة إلى أن أعداء الإسلام يقفون عليها وينصبون المصائد لإضلال الناس، كما أن خريجيها انسلخوا من الدين الإسلامي وقاموا باحتقاره، وأصبحوا من أكبر الأعداء له. وطالب الخطيب أولياء الأمور بأن يختاروا لأبنائهم مدارس الحكومة التي بها أساتذة معروفون بالعلم والدين، والابتعاد عن المدارس الأجنبية ذات المنفعة الدنيوية الطفيفة، التي تتسبب في الغالب بالهلاك والبوار لطلابها. وكانت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، طالبت الخطيب أثناء إعداد الخطبة بالتحذير من الفتن وبيان خطرها على الدين، والبعد عن كل ما من شأنه أن يثير الفتنة الطائفية أو يهيج النزاعات العرقية. كما حذرت من الخوض في الأمور الخلافية، ودعت إلى تجنب التجريح سواء للهيئات أم الجماعات والأحزاب والأشخاص. ودعت الوزارة إلى ربط الخطبة بالحياة، وبالواقع الذي يعيشه الناس، عبر التركيز على علاج أمراض المجتمع، من دون الغلو والتفريط، مع إعطاء عناية لشؤون المرأة والأسرة المسلمة، نظراً إلى ما تتعرض له من فتنة يحرك تيارها أعداء الإسلام. يذكر أن وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد المساعد لشؤون المساجد عبدالمحسن آل الشيخ، كشف في تصريح إلى «الحياة» في آب (أغسطس) 2013، عن أن الوزارة سجلت تجاوزات أئمة عدة في خطب الجمعة، وأنها تحقق في تلك التجاوزات، مؤكداً أن تلك التجاوزات لا ترقى إلى أن تصل إلى الضجيج الإعلامي، مضيفاً «كلنا مؤمنون، ويجب أن يكون هناك مكان للائتلاف واجتماع الكلمة والمحبة والمناصحة، وألا يُلقى في المنابر إلا الأمور التي تدعو إلى الاجتماع والائتلاف وعدم التطرق إلى أمور سياسية». وقال آل الشيخ آنذاك: «إن الرسول صلى الله عليه وسلم، مع كثرة الأحداث السياسية في عهده، لم ينقل عنه أنه تطرق إليها في خطب الجمعة، إذ إن جميع خطبه صلى الله عليه وسلم موجودة في مطولات كتب الحديث، وعلماؤنا لا يتطرقون إلى الأمور السياسية في الخطب اقتداء به عليه الصلاة والسلام، ونعرف من هذا خطأ مَن جعل المنابر مكاناً للحديث عن الأمور السياسية». مشاهدات - عناوين بعض خطب الجمعة كرّست مفهوم الخوف والحذر من أعداء الإسلام، وأبرزها ما جاء بعنوان: «الخطبة الثانية عشرة من الضياء اللامع من الخطب الجوامع: الحذر من أعداء المسلمين»، إذ أبرز ما جاء فيها الاستشهاد بأقوال قادة سياسيين عرفهم الخطيب ب«قادة الكفر السياسيين» من دون تسميتهم. - تضمنت إحدى الخطب مقولة أحد رؤساء الوزارة البريطانية سابقاً: «لن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق ولا أن تكون هي نفسها في أمان ما دام هذا القرآن موجوداً في أيدي المسلمين». - أحد الخطباء استدل بحديث الحاكم الفرنسي في الجزائر قبل استقلالها عن عدم قدرة بلاده في الانتصار على الجزائريين ما داموا يقرأون القرآن ويتكلمون بالعربية «فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم ونقتلع العربية من ألسنتهم». وعلّق الخطيب على مقولة العسكري الفرنسي قائلاً: «هكذا يغري قادة الكفر بإزالة القرآن من الوجود، وهم لا يعنون إزالة نسخ القرآن من أيدي المسلمين، إنما يريدون أن يزيلوا من المسلمين روح القرآن والعمل به حتى لا يبقى بين المسلمين من القرآن إلا رسمه، ولا من الإسلام إلا اسمه». - تضمنت إحدى الخطب المنشورة مقولة لرئيس جمعيات المنصِّرين في مؤتمر القدس المنعقد قبل أكثر من 40 عاماً أثناء خطابه الموجه إلى جماعة التنصير إن «مهمتكم ليست في إدخال المسلمين في النصرانية، إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة له بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها». -تضمنت الخطبة كتابات لإحدى الصحف الشيوعية في روسيا تقول إنه من المستحيل تثبيت الشيوعية قبل سحق الإسلام نهائياً، فكفار الشرق والغرب كلهم أعداء للإسلام وكلهم يريدون القضاء عليه، لأنه هو الذي يخيفهم ويرعبهم. - واستشهدت الخطبة بحديث أحد المسؤولين في وزارة الخارجية الفرنسية قبل أكثر من 26 عاماً، إن الخطر الذي يهددنا تهديداً مباشراً وعنيفاً هو الخطر الإسلامي. - تضمن موقع «الإسلام» التابع للوزارة توضيحاً حول حديث نبوي آثار جدلاً في المواقع الالكترونية ما أجبر القائمين على اصدار بيان توضيحي.