سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
توبة الإخوان.. تراجعات حقيقية أم انحناء للعاصفة؟ أثارت جدلا في الشارع المصري.. والدولة ترد: القانون هو الحكم خبراء: محاولة استنساخ مناورة الزمر وعبدالماجد في التسعينات
تباينت ردود أفعال الخبراء السياسيين والمعنيين في شؤون الحركات الإسلامية تجاه إقرارات "التوبة"، التي وقعت عليها عناصر تابعة لجماعة "الإخوان" الموجودة بالسجون، على ذمة قضايا تتعلق بالإرهاب، والتحريض على العنف، والانضمام إلى جماعة "محظورة" على خلاف القانون. حيث أشار معظمهم إلى أن الجماعة عرفت على مدار تاريخها بالمناورات السياسية، والسعي إلى خداع الآخرين، وأن ما يروجون له من رغبة كثير من العناصر في التوبة ما هو إلا انحناء للعاصفة، ومحاولة جديدة لاستيعاب الصدمة الحالية، ومسايرة الظروف الراهنة، ومن ثم تعود الجماعة إلى ارتكاب الأخطاء نفسها التي ظلت ترتكبها على مدار العقود الماضية. وحذروا الحكومة من الانسياق وراء هذه الدعاوى، مؤكدين أن الظروف مهيأة في الوقت الراهن للقضاء على هذه الجماعة الإرهابية بصورة تامة، واستئصال خطرها من المجتمع نهائياً. في المقابل رأى آخرون أن عناصر الصف الثاني من الجماعة، الذين لم تتلطخ أياديهم بدماء المصريين، والذين ظلوا خلال الفترات السابقة بعيدين عن مراكز اتخاذ القرار داخل الجماعة، يمكن أن يكونوا مهيئين للإمساك بمقاليد القيادة، وتحويل الجماعة إلى حزب سياسي عصري، يبعد عن استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية، ويتناغم مع القانون ومفردات الدولة الحديثة، مما يجعلهم قادرين على إضافة الكثير للساحة السياسية في مصر، ويضع القيادة السابقة أمام مصيرها، لتواجه القضاء والقانون، جزاءً على ما ارتكبوه من أخطاء. "الوطن" سعت إلى معرفة رأي خبراء السياسية في مصر، والشارع المصري، عن قبولهم تلك الإقرارات التي بادرت مجموعة من أعضاء الجماعة لتوقيعها داخل السجون، وما إذا كان الشعب المصري على استعداد لمسامحتهم، والقبول بهم طرفا من أطراف العملية السياسية، فكانت إجاباتهم على النحو التالي: مناورة سياسية بداية، يؤكد الدكتور عبد الله المغازي، المتحدث الإعلامي السابق باسم الحملة الانتخابية للرئيس عبد الفتاح السيسي، أن الإخوان لا يريدون من هذه المحاولة سوى ضمان بقاء الجماعة على المشهد السياسي، وأنهم لا يوقنون في قرارة أنفسهم بحجم ما ارتكبوه من جرائم بحق الشعب المصري، وقال "توقيع بعض أعضاء الإخوان على إقرارات التوبة داخل السجون هو محاولة من بعض أفراد الجماعة للإفلات من العقاب، وليس انفصالاً حقيقيا عن التنظيم، ولا يجب أن ننسى أن عددا من قيادات الجماعة الإسلامية وقعوا عام 1997 على إقرارات التوبة ومراجعات، كان من بينهم طارق الزمر وعاصم عبد الماجد، وهما يعدان الآن نواة الإرهاب وأعمال العنف في مصر، ومن وجهة نظري فإن التوقيع على تلك الإقرارات هو مسعى جديد للإفلات من العقاب، بعد ما ارتكبوه من جرائم وأعمال عنف منذ عزل محمد مرسي عن منصبه الرئاسي في 3 يوليو 2013". صراعات وانشقاق بدوره، رجح الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، خالد الزعفراني أن تشهد جماعة الإخوان صراعاً كبيراً وانشقاقات داخل أروقتها خلال الفترة المقبلة، بسبب التوقيع على هذه الإقرارات، مضيفاً أن "الصراع سينشأ من داخل القطاعات الشبابية، الذين أدركوا أن قياداتهم ورطتهم ووضعتهم في طريق المجهول، أما قيادات الصف الأول فترفض الإقرارات لضمان بقائها على المشهد العام". بدورها، اعتبرت مديرة المركز المصري لدراسات الديمقراطية، داليا زيادة إقرارات التوبة التي يجمعها عناصر الإخوان بالسجون مجرد خدعة، وقالت "المقصود بالتوقيع على تلك الإقرارات ليس التوبة الحقيقية، وهناك مواقف سابقة تؤكد ذلك بإعلانهم التوبة أكثر من مرة، ثم يعودون لارتكاب أعمال العنف بعد ذلك، والهدف من تلك الحملة هو خداع الحكومة واستعطاف الشعب، حيث يسعى الإخوان لتكرار ما حدث في التسعينات بعد أن أعلنت عناصر الجماعة الإسلامية التوبة من داخل السجون، وعادوا للإرهاب مرة أخرى بعد خروجهم بسنوات، والتوبة من الممكن قبولها بعد صدور أحكام نهائية ضد عناصر الجماعة بالسجون وتنفيذ العقوبة". وفي السياق ذاته، أشار مدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، الدكتور أحمد مهران إلى أن إقرارات التوبة إجراء غير قانوني بكل المقاييس، وغير سياسي ولا يتفق مع طبيعة الأوضاع في مصر، مضيفاً "الإقرار بالمسؤولية والتوبة لا يعني الإعفاء عن المسؤولية أو القصاص من المتهمين، الذين ارتكبوا جرائم في حق المصريين، وتلك الإقرارات لن تجعل للإخوان مكاناً في المرحلة السياسية مصر أو تؤدي إلى عودتهم إلى الحياة السياسية بعد أن نبذهم الشعب المصري". تصالح واستسلام بدوره، قال القيادي السابق بجماعة الإخوان، ثروت الخرباوي، "هذه الإقرارات لن تكون بداية للتصالح، لأنها تعبر عن الأفراد أنفسهم ولا تعبر عن الجماعة، ولا أعتقد أن قيادات الجماعة ستوقع على إقرارات صلح، ولكنها ستحاول تنفيذ ما جرى في فترة الستينات، حين قام عدد كبير من الإخوان بتوقيع إقرارات صلح واعتذار للرئيس الراحل جمال عبد الناصر وأفرج عنهم، لكن القيادات وقتها رفضت، وقالت إنهم من يمثلون الإخوان تمثيلاً شرعياً، ولا يجوز لنا التوقيع، ومن حق الأفراد العاديين بالجماعة أن يوقعوا دون إلزام لأحد، وهذه الإقرارات هي مجرد محاولات فقط للإفلات من العقوبات التي قد تصدر ضدهم، وأتوقع أن يكون عدد الموقعين محدوداً للغاية لأن الجماعة تعتبر من يوقع بأنه خانها، على الرغم من أنها قد تجيز له التوقيع، لكن في المستقبل سينظر له نظرة الريبة والشك، وجماعة الإخوان لم تقدم أي مبادرة للصلح مع الدولة حتى الآن، فكل المبادرات التي أعلنت كانت تصدر من وسطاء، فالجماعة تظن أنها ستعود، كما أن إطلاق الجماعة أي مشروع للصلح سيكون بمثابة اعتراف بفشل الجماعة في إدارة الأزمة". وعلى النسق ذاته، قال الخبير السياسي نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور عمرو هاشم ربيع "توقيع أعضاء بالإخوان على إقرارات التوبة يشير إلى أن الجماعة تسعى للمصالحة والاستسلام، كما يشير إلى أنها تعلم جيداً أن كل الطرق التي استخدمتها لمحاولة العودة إلى الحياة السياسية فشلت، وأن تعليمات قياداتها باستمرار التصعيد والتظاهر لا تجني منها شيئاً، ما دفع بأعضاء لها للتوقيع على تلك الإقرارات داخل السجن". حيلة سياسية أما الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، أحمد بان، فيرى أن الأمر لا يعدو كونه حيلة سياسية، ويقول "مشهد الإقرارات التي تنتشر بين سجناء الإخوان تعيد الذاكرة إلى عام 1965، عندما أدركت رموز وقيادات الإخوان أن مسار الصدام مع الدولة سيؤدي إلى خسارة في مجالي الدعوة والسياسة، وأنه لو كان ثمة مجال للخروج من الأزمة فإنه أمر يخضع لاعتبارات السياسة والمصالح، ووقتها سعت قيادات كبيرة بالجماعة للتصدي لهذه المحاولات، حيث أسمتها بفتنة التأييد، واستدعت مفردات الإيمان والكفر في العملية السياسية، وهذه الإقرارات يمكن اعتبارها حيلة قانونية للخروج من المأزق، ولا يمكن اعتبارها مراجعة، ولا يمكن التعامل معها بهذا المعنى، إلا إذا تورطت قيادات تنظيمية بالتوقيع عليها أو الحديث عنها". مواجهة فكرية في المقابل، قال الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، سامح عيد، "توبة شباب جماعة الإخوان ليست سراً، وبدأت منذ شهور، وأتوقع أن يركزوا في حياتهم الاجتماعية ويتركون العمل بالسياسة عقب خروجهم من السجن، كما أرجح أن توافق الدولة على إقرارات التوبة، خاصة وأنها تريد أن تلتفت إلى أعبائها الأخرى من الجماعات الإرهابية المهددة للأمن القومي المصري مثل جماعة بيت المقدس وجماعات أخرى". وفي الإطار ذاته، أكد رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، محمد زارع، أن إقرارات التوبة المنتشرة بين قيادات وعناصر جماعة الإخوان المسلمين بالسجون هي استنساخ لنظيرتها التي كانت تجمع داخل السجون في تسعينات القرن الماضي من الجماعات الإسلامية، مضيفاً "الشخص الموقع على إقرار التوبة ونبذ العنف بالتسعينات كان يبحث ملفه مرة أخرى، لأن هناك من يفعل ذلك تمويها للخروج من السجن فقط، ولا يوجد حل يستمر إلى النهاية بالصدام والعنف والمواجهات الأمنية فقط، ما يعين ضرورة أن تتفاعل الدولة معها بجدية وان تدرس كل توقيع على حدة، ومن لديه نية للتوبة بشكل صادق يتم التعامل معه بالحوار، خاصة وأن الفكر المتطرف لا يتم مواجهته إلا بالفكر المستنير، وما يجري من إجراءات التوقيع على إقرارات التوبة لا علاقة له بالإباحة القانونية أو التجريم القانوني، وإنما يمكن أن يدخل في دائرة أن من حق كل سجين أن يختار طريقه، وأن على الدولة أن تقرر العفو عنه أو لا، باعتبار أن زمام الأمور بيدها، وأتوقع أن يحدث ذلك قريباً على اعتبار أن إقرارات التوبة هي طريقة لإنهاء النزاع بين الدولة وعناصر جماعة الإخوان، عن طريق فرزهم إلى مجموعات، وهو أسلوب تمت تجربته من قبل بالتسعينات، وظلت مصر بلا إرهاب لأكثر من 14 عاما نتيجة بعض المراجعات الفكرية وتوقيع إقرارات التوبة، خاصة وأن كثيراً ممن وقعوا على إقرارات التوبة من الشباب المتهمين في قضايا تظاهرات، وليست أعمال عنف كبيرة وقتل، ولابد من توظيفهم في أعمال تبنى من خلالها البلاد، خاصة وأن حل الأمور بهذه الطرق يساعد على الاستقرار، ويمكن أن تعمل المراجعات الفكرية وإقرارات التوبة على الوصول في النهاية إلى حلول جذرية للأزمة". تنظيف عقول الشباب وعلى التوجه نفسه، تقول رئيسة اتحاد المحامين الآفرو آسيوي لحقوق الإنسان، الدكتورة عصمت الميرغني "إقرارات التوبة تعد درجة من درجات المصالحة، الخاصة بالمتهمين من الشباب، الذين انخرطوا في العنف والمظاهرات، وتلك الإقرارات تعد خطوة لتنظيف عقول الشباب من الأفكار الهدامة، فضلا عن إثبات أن الدولة تنظر إلى مصلحتهم، وهي خطوة لإعادة أفكار هؤلاء الشباب إلى المسار الصحيح، والابتعاد عن الأفكار الهدامة التي وضعتها الجماعات الإرهابية، ويجب على الدولة في المقابل العمل على تفعيل دور وزارة الشباب والمؤسسات الدينية لمواجهة أفكار الجماعات الإرهابية، وإعادة هيئة الفتوى، التي انتهت عام 1970، والتي كانت تهدف إلى زرع روح الرجولة المصرية الأصيلة، بالإضافة إلى نشر التعاليم العسكرية القائمة على إعلاء القيم الوطنية". من جهته، كشف القيادي الإخواني بمحافظة البحيرة، طارق البشبيشي أن عدداً من قيادات الجماعة في السجون وقعوا بالفعل على إقرارات التوبة عن الانتماء للتنظيم، مضيفاً أن "أبرزهم حمدي عبيد، وإسماعيل عاشور، وخالد القزاز، مستشار الرئيس المعزول محمد مرسي، الذي أطلق سراحه أخيراً لأسباب صحية. مراجعة فكرية وعلى الصعيد الرسمي، صرح المتحدث باسم وزارة الداخلية، اللواء هاني عبد اللطيف بوجود عناصر تابعة لتنظيم الإخوان محبوسين على ذمة قضايا التحريض على أعمال العنف أعلنوا نيتهم وعزمهم على التوبة، والرجوع عن أعمالهم التخريبية، وإعادة مراجعة أفكارهم تجاه الدين الإسلامي الصحيح، ومن أعلنوا التوبة معظمهم من الشباب، وذلك لاعتقادهم بأن ما قاموا به خطأ وإضرار بالأمن القومي، ما دفعهم إلى إعلان ذلك، وذلك ليس له علاقة بالمراجعة الفكرية التي حدثت خلال تسعينات القرن الماضي، وإنما هي مبادرة من أنفسهم، ووزارة الداخلية ليست منوطة بقبول التوبة من عدمه، حيث تقع مهمة ذلك على كاهل النيابة العامة والقضاء الذي يحكم في قضايا المحبوسين على ذمتها، ودور الوزارة ينحصر في متابعة ورصد تحركات التائبين وسلوكهم، وذلك يأتي في إطار توجيهات وزير الداخلية، اللواء محمد إبراهيم، الذي يحرص على تشجيع الشباب من المحبوسين وجميع نزلاء السجون، وإقامة الدروس الدينية الصحيحة من خلال شيوخ الأزهر الشريف". وتشير التقارير الأمنية إلى أن من أهم البنود التي جاءت في "إقرارات التوبة" الاعتراف بثورة 30 يونيو، والتبرؤ من جماعة الإخوان، والتعهد بعدم ارتكاب أعمال العنف، فضلاً عن التصالح مع الدولة، والعودة عن طريق العنف الذي تنتهجه الجماعة خلال الفترة الأخيرة، فيما كشفت مصادر من داخل الإخوان أن عدد الإخوان الذين وقعوا على الورقة بلغ 1255 شخصاً، وأن أعضاء بمجلس شورى الجماعة طلبوا تغيير الصيغة من توبة إلى مصالحة، حتى يوافقوا على التوقيع عليها، وأن إقرارات التوبة عبارة عن تعهد كتابي تم توزيعه على مسجونين بأعينهم، مثل الموجودين بالسجون بسبب أحداث مسجد الفتح، وكذلك المحبوسين في المظاهرات على ذمة نيابات عامة غير أمن الدولة، وبعض القضايا الهامشية في نيابة أمن الدولة.