كتب عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي ورئيس "مركز سترافتور الأميركي"، جورج فريدمان، مقالاً تحليلاً عن المرحلة النهائية لرئاسة باراك أوباما، نشره المركز في 18 نوفمبر الحالي. يقول فريدمان: "دخلنا الآن في المرحلة النهائية من رئاسة باراك أوباما، وهي تنتهي مثلها مثل فترات رئاسة عدة رؤساء آخرين منذ الحرب العالمية الثانية بما نسميه حالة من الفشل. وليس حكماً على رئاسته بقدر ما هو على التكوين السياسي داخلها والمحيط به". واستطرد يقول: لقد انتهت انتخابات الكونجرس النصفية، وصار الكونجرس والرئيس عاجزين عن الحركة. ولا يُعتبر هذا في حد ذاته أمراً خطيراً. فقد وجد رؤساء ذوو شعبية مثل "دوايت أيزنهاور"، أنفسهم في هذه الحالة. وتحدث هذه المشكلة عندما لا يقتصر الأمر على الانقسام المؤسسي فقط، ولكن يحدث أيضاً تحول في الرأي العام ضد الرئيس. وهناك العديد من التحليلات المتطورة عن الرأي العام في السياسة، لكنني وجدت أنه من المفيد استخدام هذا النموذج التنبؤي. تحليل قوة الرئيس بافتراض أن كلاً من الحزبين يحظى بتأييد 40% من الناخبين، فلا يتبع 20% أياً من الحزبين، ولا يبالي نصف هؤلاء بنتائج السياسة، والنصف الآخر يهتم لكنه متردد. وفي معظم الظروف العادية، تتركز المعركة الحقيقية بين الحزبين على احتفاظ كل منهما بقواعده، وكسب أكبر قدر ممن يقفون في المنتصف. وما دام الرئيس ينافس على المحايدين، تظل قدرته على الحُكم سليمة. وبالتالي، فمن الطبيعي بالنسبة لأي رئيس أن يكون تصنيف شعبيته أقل من 60% ولكن أكثر من 40%. وعندما ينخفض تصنيف شعبية الرئيس إلى أقل من 40% بكثير، ويظل هكذا لفترة طويلة من الزمن، تتغيَّر ديناميات السياسة. حيث لم يعُد الرئيس يسعى لكسب المحايدين ولكنه يكافح من أجل الاحتفاظ بمؤيديه ويفشل في ذلك. وعندما يتفتت تأييد الرئيس إلى حد أنه يكافح لاستعادة قاعدته، فأنا أعتبر ذلك رئاسة فاشلة خاصة عندما يكون الكونجرس في أيدي المعارضة. حيث لا يمكنه توجيه طاقته نحو مبادرات جديدة، وإنما نحو استعادة قاعدته. ومن غير المرجَّح أن يتعافى الرؤساء الذين هبطوا إلى هذه الحالة قرب نهاية رئاساتهم، ويعاودوا اكتساب الأصوات المحايدة. وتاريخياً، عندما ينخفض تصنيف شعبية الرئيس إلى نحو 37%، تكون استعادة موقفه ميئوساً منها، وهذا ما حدث لجورج بوش في 2006. وما حدث لريتشارد نيكسون في 1974 عندما أدت أزمة "ووترجيت" إلى استقالته، و"ليندون جونسون" في 1967 خلال حرب فيتنام. حدث ذلك أيضا لهاري ترومان فى عام 1951، بسبب الحرب الكورية أساسا، و"هربرت هوفر" قبل الحرب العالمية الثانية بسبب الكساد العظيم. غير أن ذلك ليس حكماً تاريخياً نهائياً على الرئاسة. حيث ينظر الآن إلى "ترومان"، الذي لم يحظ بشعبية هائلة ولم يستطع الترشح لولاية أخرى، باعتباره واحداً من خيرة الرؤساء الذين حكموا الولاياتالمتحدة. ومن ناحية أخرى، لم يتحسن موقف "نيكسون" أبدا. وبالتالي، ليس هذا حكماً على مكانة أوباما في التاريخ، ولكن على وضعه السياسي الحالي. كما أنه لا يؤدي لخسارة الرئاسة؛ فقد هزم "جيمي كارتر" على الرغم من أن شعبيته ظلت أعلى من 40% بكثير. رئاسة أوباما ومن بين الرئاسات الخمس الفاشلة التي ذكرتها، فشلت واحدة بسبب فضيحة، وأخرى بسبب الاقتصاد، وثلاثة بسبب حروب - كوريا وفيتناموالعراق. وتعتبر حالة أوباما أقل وضوحاً. فقد عارضته نسبة ال40% التي تميل إلى المعارضة لمجموعة من الأسباب. وخسر الأصوات المحايدة لأسباب معقدة أيضاً. ومع ذلك، بمراجعة توقيت انحداره، نجد أن الحدث الذي ربما كان له ذلك التأثير، صعود الدولة الإسلامية، والشعور حتى في حزبه أنه لم يبد أي استجابة فاعلة لذلك. كما يبدو لي أن أوباما قد سقط في هاوية سياسية، بسبب الحرب في العراق لأنه بعد 8 سنوات من الحرب، بدا أنه لا يملك سيطرة عليها. كما يمتد الفشل إلى السياسة الداخلية كذلك. حيث يسيطر الجمهوريون على البرلمان ويمكنهم تمرير التشريعات التي يحبونها، ولكن الرئيس يحتفظ بحق النقض، ويجب أن يصوت ثلثا أعضاء المجلسين للتغلب عليه. والمشكلة أنه، بالنظر إلى نقص شعبية الرئيس وحقيقة أنه ستجرى خلال عامين انتخابات رئاسة، وجميع أعضاء مجلس النواب وثلث أعضاء مجلس الشيوخ لن يكونوا حلفاء الرئيس في الكونجرس على استعداد تحمل مسؤولية دعم اعتراضاته. وكما لا يوجد من بين الديموقراطيين من يريد من أوباما دعم حملته الانتخابية، لا يوجد من يرغب الانضمام إلى الرئيس في الاعتراض على تشريعات الأغلبية. العمل ضمن قيود ولا يعنى هذا أن الرئيس لا يمكنه أن يعمل. ولكن يعنى ببساطة أن العمل أصبح أكثر صعوبة من قبل. فقد حل "جيرالد فورد"، محل "نيكسون"، ولكن أضعفه العفو عن سلفه، ولم يستطع منع الكونجرس من قطع المساعدات عن فيتنام الجنوبية خلال الهجوم الشيوعي النهائي. وكان "جورج دبليو بوش" قادراً على إطلاق الطفرة في النمو الاقتصادي، ولكن كان الارتفاع محدود الحجم، ليس فقط بسبب الظروف الاستراتيجية لكن أيضاً لأنه قد فقد القدرة على إجبار الكونجرس على تمويل توسعات حربية بديلة. وفى كل الرئاسات التي فشلت، كان لدى الرئيس القدرة على التصرف، ولكنه كان مقيداً بالتهديدات من كونجرس تسيطر عليه المعارضة وحزبه الذي لا يرغب في الاصطفاف معه. وفي الوقت نفسه، يمكن لبعض المبادرات الدبلوماسية الأجنبية أن تستمر... وتتمثل استراتيجية أوباما العامة في الانسحاب من الصراعات القائمة في الشرق الأوسط واحتواء التحركات الروسية في أوكرانيا والحد منها. ولدى الرئيس القدرة على ممارسة الضغوط العسكرية وغيرها. ولكن خصوم الولاياتالمتحدة يدركون أن الرئيس الحالي لم يعُد يمتلك السيطرة على واشنطن، فأمامه موعد محدد لانتهاء ولايته، ومن المرجَّح أن خليفته سوف يتنصل من تصرف يقوم به لا يحظى بشعبية. وبالتالي، ففي مثال الصين وكوريا الشمالية، كان مواصلة الصراع والتفاوض مع الرئيس المقبل خياراً عقلانياً. وفي نفس السياق، اختارت إيران أن تنتظر لانتخاب "رونالد ريجان" بدلاً من التعامل مع "جيمي كارتر" (الذي لم يكن رئيساً فاشلاً). ومن ثم، إذا اتبعنا الأنماط التاريخية، فإن أوباما سوف يمضى قدماً الآن ببطء وعلى نحو غير فاعل لزيادة العمليات العسكرية في سورية والعراق، في حين يفرض ضغطاً غير عسكري على روسيا، أو ربما يشرع في بعض الأنشطة العسكرية على مستوى منخفض في أوكرانيا. وسيتم التخطيط لتحركات من أجل إنجاز عملية التفاوض السريع التي لن تحدث. حيث ستنتقل الرئاسة إلى الحزب الآخر، كما حدث مع "ترومان" و"جونسون" و"جورج دبليو بوش". وبالتالي، سوف يستعيد الجمهوريون الرئاسة. وهو أمر مألوف في الكونجرس، يعنى أن الديموقراطيين في المجلس التشريعي سوف يركزون على إدارة الحملات الخاصة بهم بعيداً عن أوباما والمرشح الديموقراطي للرئاسة القادمة بقدر الإمكان. وبالتالي، لا تعتبر فترة الرئاسة الفاشلة وقتاً هادئاً؛ حيث يسعى الرئيس بنشاط لإنقاذ إرثه في مواجهة الضعف الداخلي الهائل. بينما لا ترى البلدان الأخرى، وبخاصة الخصوم، سبباً كافيا لتقديم تنازلات للرؤساء الفاشلين، ويفضلون التعامل مع الرئيس القادم. ويستخدم هؤلاء الخصوم المعارضة العسكرية والسياسية في الخارج للمساعدة في تشكيل اتجاهات حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة لصالحهم. وسوف تجرى جميع الأنشطة المحلية على هذا الأساس. ويحتفظ الرئيس بحق النقض، وإذا كان حريصاً فسيكون قادراً على الاحتفاظ به. وسيكون انخراط أوباما في السياسة المحلية محدوداً، ويحصر نفسه في قضية أو اثنتين تحت ضغوط شديدة من الديموقراطيين في الكونجرس. وسوف يتعلق نشاطه الرئيسي بسورية والعراقوروسيا، سواء بسبب الأزمات أو الرغبة في أن يترك وراءه إرثا.