استعرض قسم التحليل ب"مركز الأبحاث الأميركية والعربية" الوضع الراهن لحرب التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق وسورية وتقدم التنظيم في تعزيز مواقعه، على الرغم من استمرار الغارات الجوية، وكذلك تردد تركيا في اتخاذ موقف فاعل بصرف النظر عن التصريحات النارية لقادتها؛ واستقراء خيارات الرئيس الأميركي باراك أوباما عقب إخفاق حملته بتحقيق أهدافها، الأمر الذي يستدعي منه اتخاذ إجراءات وتدابير أخرى في المنطقة. هناك إجماع شبه تام بين القادة العسكريين والسياسيين الأميركيين بأن الغارات الجوية ضد مواقع الدولة الإسلامية أسفرت عن نتائج متواضعة لا تذكر، بعد مضي 60 يوماً على حرب الائتلاف الأميركي الجوية ضد "داعش" الذي يعزز مواقعه ويحقق إنجازات على الأرض، في سورية والعراق، وأصبح على بعد نحو 10 كيلومترات من محيط مطار بغداد الدولي، كما أكدت شبكة "سي بي اس" الأميركية للتلفزة، واحتل بعض أحياء مدينة عين العرب السورية. حرب مفتوحة لمدة 30 عاماً نالت استراتيجية الرئيس أوباما، لتقويض واحتواء داعش قدراً واسعاً من الانتقاد من كافة الأطياف السياسية، مؤيدين ومعارضين، كان آخرهم وزير الدفاع الأسبق ليون بانيتا. في كتابه الصادر حديثاً، "معارك جديرة"، شن بانيتا سلسلة انتقادات لسياسة أوباما في العراق وسورية التي أدت إلى بروز تنظيم داعش. تنبأ بانيتا بحرب طويلة تشنها الولاياتالمتحدة "ضد الإرهاب" تمتد لثلاثة عقود، خلافاً للسنوات الثلاث التي وعد بها أوباما. وقال "أعتقد أننا أمام حرب مدتها 30 عاماً .. والتي ستمتد بالضرورة لتشمل مناطق أبعد من تلك المسيطر عليها من داعش وتتضمن تهديدات بارزة في نيجيريا والصومال واليمن وليبيا ومناطق أخرى". وبعبارة موجزة إن حرباً مفتوحة الآفاق الزمنية والمكانية؛ وسياسة أميركية خارجية عمادها الرئيسي حروب مفتوحة، ستدر أرباحاً طائلة على شركات الأسلحة نظراً لارتفاع ملحوظ في النزاعات العسكرية عبر العالم". أميركا قلقة أيضاً من سرعة اندفاع "داعش" نحو بغداد وتمركزه على تخومها بمسافات قصيرة تمكنه من استهداف المطار الدولي بقذائف المدفعية، مما دفع وزارة الخارجية مؤخراً لطمأنة الشعب الأميركي بخطر الأنباء التي تحدثت عن تعرض "المنطقة الخضراء" إلى قصف بقذائف الهاون من قبل داعش. بيد أن التنظيم توسع واستقر في مناطق أخرى من العراق، منذ الإعلان عن بدء الغارات الجوية، شملت مدينة هيت على ضفاف نهر الفرات، ومحاصرته لمناطق مجاورة في الرمادي عاصمة محافظة الأنبار. إعادة تصويب الاستراتيجية في العرف الأميركي من النادر أن يقوم رئيس الدولة بزيارة وزارة الدفاع إذ يلتقي بالقادة العسكريين والأطقم الداعمة لهم في مكتبه بالبيت الأبيض. بيد أن الرئيس أوباما أعلن مسبقاً عن نيته التوجه للبنتاجون والتحدث مباشرة مع قادة القوات والقادة الميدانيين؛ الأمر الذي يدل على توفر النية لديه لإدخال بعض التعديلات على استراتيجيته المعلنة ضد تنظيم داعش، لا سيما والزيارة تمت في ظل تنامي مطالب قطاعات مختلفة بالنظر في إدخال قوات برية تعوّض قصور إنجازات الحملة الجوية. تنامي الضغط الداخلي من القادة العسكريين والساسة وأعضاء الكونجرس "للنظر بخيار نشر قوات برية" مما أوعز أوباما لإرسال إشارات تدل على نيته اتخاذه إجراءات وتدابير مغايرة لسياساته المعلنة. أما وزارة الخارجية، بطبيعتها وتفضيلها التحرك الدبلوماسي، فقد رفضت الخيار العسكري المنشود، وصرح وزير الخارجية جون كيري في منتصف الأسبوع أن "الحيلولة دون سقوط مدينة كوباني السورية بأيدي داعش لا يُعد هدفاً استراتيجياً للولايات المتحدة"، في تباين واضح مع سلفه هيلاري كلينتون التي كانت تحبذ استخدام القوة لدى استعصاء الحلول السياسية. وحث كيري جميع الأطراف الأميركية المعنية "باتخاذ خطوة تراجعية بغية استيعاب الهدف الاستراتيجي.. لمراكز التحكم والسيطرة والبنية التحتية لتنظيم داعش، وحرمانه القدرة على شن هجمات ليس في كوباني فحسب، بل في عموم الأراضي السورية وامتداداً إلى العراق". ولفت كيري النظر إلى تعاطفه مع فكرة "إنشاء منطقة عازلة بين سورية وتركيا .. إنها فكرة جديرة للأخذ بها بعين الاعتبار".. بالمقابل، يسعى "حلفاء" أميركا من الدول الأوروبية استدراج الرئيس أوباما لنيل موافقته على المنطقة العازلة، كما جاء على لسان الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند. وأيدها أيضاً وزير الخارجية البريطاني، فيليب هاموند، بحذر قائلاً "ينبغي بحثها مع حلفائنا وشركائنا" والاستقرار على مفهوم موحد لما تعنيه المنطقة العازلة؛ "بيد أنني لا أستثني ذلك في المرحلة الحالية". يُرتكز الجدل داخل الأوساط الأميركية على التدابير التي بوسع الولاياتالمتحدة اتخاذها لإنقاذ مدينة عين العرب – كوباني، وحيثيات الاستراتيجية التي يمكن أن يقدم عليها الرئيس أوباما لوقف اندفاع وتمدد داعش. ليس بوسع أميركا الآن أو في المدى المنظور استخدام قواتها البرية في حرب أخرى بعد النتائج الكارثية لسياساتها في أفغانستانوالعراق، التي لا يزال يتردد صداها في أذهان الشعب الأميركي الرافض لمزيد من الانخراط العسكري الفاعل في مناطق أخرى. وعليه، الخيار المتوفر للولايات المتحدة يستند إلى حشد وتدريب قوات محلية للتصدي لداعش، الأمر الذي سيستغرق فترة زمنية طويلة نسبياً؛ وربما هذا بالضبط ما يمكننا استخلاصه من تصريح ليون بانيتا بالحرب المفتوحة "ولمدة 30 سنة". في المرحلة الراهنة، يبدو أن الطرف المرشح للإسهام بقوات برية، كما ترغب البنتاجون، فهو تركيا التي يدخل في حساباتها الاعتبارات الإقليمية والتوازنات الدقيقة، والتي لحد اللحظة لم تتجاوز إجراءاتها التصريحات الكلامية. ويشار إلى أن الأهداف الأميركية والتركية غير متطابقة بالكامل فيما يتعلق بسورية بعد مضي قرابة أربعة أعوام على الصراع المسلح. هدف تركيا الرئيس "إسقاط الرئيس الأسد"، أما الولاياتالمتحدة فقد أثبتت الوقائع السياسية والميدانية ترجعها عن هذا الهدف وإعلاء "تقويض الدولة الإسلامية" في المرتبة الأولى. كما أن الولاياتالمتحدة لا تمانع قيام كيان كردي في المناطق السورية، مما يثير ذعر أنقرة التي ترفض رفضاً مطلقاً أي تعبيرات أو تجليات تؤكد على الهوية الكردية. خيارات الرئيس أوباما يتضمن الاستعراض السابق بعض العوامل الضاغطة التي تدفع بالرئيس أوباما إعادة النظر في استراتيجيته المعلنة وإدخال تعديلات مطلوبة، لا سيما لإدراكه تنامي معارضة الشعب الأميركي لسياساته المعلنة، عززها حادث جز عنق امرأة أميركية في ولاية أوكلاهوما مؤخراً. الأمر الذي يستدعي بلورة سياسة أوضح نحو داعش تسهم في تراجع التهديد الإرهابي للداخل الأميركي وللحلفاء أيضاً. تردد العامل الأميركي في الائتلاف، برفد قوات برية مهمتها تطبيق الأهداف المعلنة، يضاعف الاعتماد على قوات الجيش التركي، مع الأخذ بعين الاعتبار تباين أهداف الطرفين المباشرة، وعدم نضوج تشكيلات قوات المعارضة ودخولها كعامل مساعد. الأمر الذي يقود إلى الاستنتاج بأن الأزمة ستطول وربما لن تسير على هوى الرغبات الأميركية.