"آخ.. خلينا نحج الله يرضى عليك".. بهذه العبارة حاول الحاج السوري عابد تلي (38 عاما) القادم من مخيم الزعتري في الأردن، التهرب من الحديث، إلا أنه لم يمانع من الحديث بعد أن نال قسطاً من الراحة بجوار أمتعته داخل الحافلة التي أقلتهم إلى مشعر عرفات. تحولت ملامح الألم والإرهاق على وجهه إلى ابتسامة بعد حديث سريع مع سائق الحافلة، ثم تنهد وبدأ الحديث بقوله: "تخيل أن تصحو على صوت انفجار وتقرر الرحيل خارج بلدك فورا"، وأضاف وهو يلتفت إلى زوجته وطفله قائلا: "هذا الطفل كان رضيعا حينما قررت مغادرة قرية الشيخ مسكين في الجنوب السوري باتجاه الأردن، لكي أضمن له الحياة بعيدا عن أصوات الأسلحة والانفجارات، رحلتي استمرت 17 ساعة لا نحمل خلالها إلا أمتعة خفيفة، مستودعا منزلي برعاية الله". صمت قليلا حينما قاطعه طفله مرتميا بأحضانه، واستدرك قائلا: "عندما انتهت رحلة ال17 ساعة كان مصيرنا داخل مخيمات اللاجئين التي تكتظ بمئات الآلاف من السوريين وأسرهم، كانت لحظات لم أتخيل في يوم أن أعيشها، ظروف وحياة يومية يصعب علي أن أصفها، لكن سأقول: "الحمد لله الذي كتب لي الحج، بعد أن رزقني من واسع فضله". أطلق حديث عابد مع "الوطن" ألسنة حجاج سوريين آخرين، إذ تداخل حاج فضل تقديم نفسه ب"أبووسام"، ترتسم على ملامح وجهه الغضب، وقال: "لقمة الأكل لأطفالنا منعتنا من القتال ضد جيش النظام، ونصرة أشقائنا وما نملكه الدعاء لهم في يوم عرفة ونحن صائمون بأن ينصرهم لنعود إلى بلادنا ونعيد إعمارها من جديد". وعند الانتقال إلى الحاج معتز رضا ابتسم قائلا: "لا يوجد لدي ما أضيفه، فمن تحدثت إليهم قبلي قالوا ما يمكن قوله، سنغادر مخيمات اللجوء قريبا ونعود إلى بلادنا، ولن نعرف بعدها خياما ولا مخيمات إلا إذا كتبت لنا حجة أخرى مستقبلا، فالخيام هنا ذكرى مقدسة، والمخيمات هناك ذكريات ألم".