بعد مضي نحو عامين على افتتاح "الزعتري"، يربض مخيم جديد يفوق الأول حجما وقدرة استيعابية، ويدشن رسميا أواخر الشهر الحالي، وسط أحاديث أدلى بها دبلوماسيون أميركيون رفيعو المستوى توقعت أن يمتد اللجوء السوري، إلى نحو 10 أو 15 عاما مقبلة. يحدث كل ذلك في الوقت الذي امتلأ فيه "الزعتري" عن بكرة أبيه بما يزيد على 100 ألف لاجئ، وصار مدينة متكاملة غابت عنها الخيام تدريجيا، وحلت محلها البيوت الجاهزة "الكرفانات"، والتحق الأطفال بمدارس المخيم، وفتح أرباب الأسر محالا تجارية ليصبح المخيم أشبه ب"مدينة سورية متكاملة". وبالنظر إلى ما واجهه "الزعتري" بعد افتتاحه على عجل حينها، اثر تدفقات هائلة للاجئين السوريين بعد عام ونصف على بدء الأزمة في بلادهم، نستذكر عيوبا جمة شابت المخيم في بداياته، واستمرت لما لا يقل عن عام كامل. فقد غمرت المياه الخيام مع أول شتوة، وساد قصور أمني كبير، وتناقصت مياه الشرب، واشتكى اللاجئون من حصص الطعام الجاهزة، وواجهوا شتاء قاسيا بدون وسائل تدفئة. والآن، وبعد حدوث استقرار نوعي في "الزعتري"، اصبح المخيم أكثر أمنا وتنظيما، وعاد اليه الكثيرون ممن فروا منه سابقا، وبعد تعلم دروس من "أخطاء الزعتري"، يعتبر القائمون على المخيم الجديد "الأزرق"، الذي يقع على بعد 100 كيلومتر شرق العاصمة عمان، أن تلك السلبيات "لن تتكرر" في الأزرق. ويعول القائمون في تجاوز هذه الأخطاء على كون إنشاء المخيم استغرق وقتا كافيا، بدأ منذ صيف العام الماضي، وصولا الى إرساء بنية تحتية متينة، وتواجد امني معزز ومكثف. وبلغت تكلفة إنشاء مخيم الأزرق 45 مليون دولار، تضمنت تعبيد الشوارع وانشاء بيوت جاهزة، حيث لا توجد فيه خيمة واحدة، إضافة إلى المستشفيات وأنظمة المياه وعدد من مباني الشرطة، وأنظمة البنية التحتية. وتدير المخيم إدارة شؤون اللاجئين السوريين، بالتعاون مع مفوضية الأممالمتحدة للاجئين، فيما تكفلت مساعدات مالية من دول وجهات مانحة بإنشائه، ويمتد على مساحة 14.7 كيلومتر مربع، ويبعد عن الحدود الأردنية السورية "الشرقية" نحو 90 كيلومترا. ووفق ممثل المفوضية في الأردن اندرو هاربر في حديث ل"الغد"، فإن الفرق بين "الزعتري" و"الأزرق" لا يعود بالضرورة إلى "أخطاء"، مشيرا الى ان "الزعتري" تم تجهيزه خلال 10 ايام فقط قبيل افتتاحه، كما انه "لم تكن لدينا اموال كافية، ولم يكن يعمل في الأردن حينها هذا العدد الكبير من المنظمات الأممية والدولية.. اي أن كل شيء كان لدينا محدودا، كالوقت والنقود والشركاء". واضاف هاربر: "عند افتتاح الزعتري قبل عامين لم نعرف كم سيسوء الوضع في سورية، ورأينا خلال عام أن الوضع أصبح مرعبا هناك، ولم يكن امام السوريين من خيار سوى الفرار". ويقول: "أما في مخيم الأزرق، فقد استغرق الأمر وقتا اكثر في التحضير، وتوفرت لدينا نقود افضل، وتمكنا من تجهيزه بطريقة فعالة بدل الاستجابة الطارئة التي اتبعناها عند افتتاح الزعتري، فلدينا هنا بيوت ومستشفيات ومدارس، ولن يعيش احد قط في الخيام، كما ان الحكومة وفرت الأمن وادارة شؤون المخيمات التي لم تكن موجودة عند بدايات الزعتري". كما وصف هاربر علاقة المنظمة الأممية بالحكومة بأنها "قوية"، مضيفا: "نعمل وننسق معا كفريق واحد، فالجميع يعمل بشكل أكثر تنظيما". وفيما انتقد هاربر "تقصير" المجتمع الدولي في دعم الحكومة والمنظمات الأممية، قال إن تلك المنظمات طلبت تمويلا بمبلغ 1.2 مليار دولار في كانون الأول (ديسمبر) 2013 لتمويل عملها في الأردن، لكنها لم تتلق من هذا المبلغ سوى 16 % لغاية الآن فقط. كما يعتبر هاربر ان مشكلة اللاجئين لا تقتصر مسؤوليتها على الحكومة الأردنية وحدها، بل يراها مشكلة العالم والمجتمع الدولي، وعليهما التعامل معها، متابعا: "دول الخليج واوروبا واميركا والمجتمع الدولي عليهم دفع التكاليف الناتجة عن استضافة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين". وبينما اعتبر ان الأولوية ينبغي أن تذهب لدعم الحكومة الأردنية، كي تستطيع بدورها دعم الوزارات العاملة في هذا الشأن، مثل "الأشغال" و"الداخلية" و"المياه" وغيرها، أكد هاربر ان المنظمات الأممية بدورها تحتاج ايضا إلى دعم مادي كبير. وحول التكلفة التشغيلية اليومية المتوقعة لمخيم الأزرق، قارنها هاربر بتكلفة "الزعتري"، قائلا: "هناك 100 الف شخص في الزعتري، وتبلغ تكلفة تشغيله حوالي نصف مليون دولار يوميا من كهرباء ومياه وأمن وطعام وخدمات". ويبعد مخيم الأزرق نحو 50 كم عن مدينة المفرق، وسيتم نقل اللاجئين السوريين فور دخولهم المملكة عبر الحدود الشرقية، الى مركز التسجيل الوحيد في "رباع السرحان" بالمفرق، ويصار الى اعادتهم الى المخيم بعيد التسجيل، ما يعني قطعهم مسافة 100 كم ذهابا وايابا، عن طريق حافلات قوات الحدود، وهو ما علق عليه هاربر بقوله ان النية تتجه لانشاء مركز تسجيل جديد في الأزرق، تسهيلا على اللاجئين والجيش الأردني. ومن الناحية الأمنية، يتوفر في المخيم اربع نقاط شرطة مجتمعية في كل قرية، وستقوم 12 دورية من لواء البادية بحماية المخيم من الخارج، كما تم الانتهاء من تجهيز مكاتب الشرطة وتعيين ضباطها. ومن ناحية الغذاء، فإن برنامج الغذاء العالمي تحدث عن افتتاح مركز تجاري يخدم المخيم، وسيكون جاهزا قبيل أواخر الشهر الحالي، ويعتمد بطاقات برنامج الغذاء في البداية، ومن ثم بطاقات الائتمان التي يوزعها البرنامج على اللاجئين لشراء ما يحتاجونه من سلع، بحسب ما أفاد منسق عمليات الطوارئ لبرنامج الغذاء العالمي جوناثان كامبل ل"الغد". وبالنسبة للمياه، ففي البداية سيتم تزويده ب 100 او 150 صهريجا يوميا، فيما اوضح مدير قسم المياه والمرافق الصحية في "اليونيسف" إسماعيل ابراهيم، ان هناك خططا للعمل على توفير المياه، بخلاف ما يجري في "الزعتري"، بحسبه، كما اشار الى التفكير ببناء وحدة معالجة مياه داخل المخيم وحفر آبار جوفية. وعن كميات المياه المطلوبة، شرح ابراهيم قائلا ان 50 مترا مكعبا في الساعة، تكفي لنحو 50 الف شخص، وان كل شخص يحتاج نحو 30 ليترا يوميا من المياه لغايات النظافة والشرب. كما يجري العمل حاليا على إنجاز المرحلة الأولى من المخيم بشكل حسن، ويتم تسليم 100 وحدة سكنية يوميا وصولا الى يوم الافتتاح، حيث من المتوقع ان تكون 5300 وحدة سكنية جاهزة حينها، فيما صممت هذه الوحدات من قبل خبراء لتتناسب مع الطقس الصحراوي، حيث تنخفض الحرارة الى ما دون الصفر احيانا شتاء وترتفع الى ما فوق الأربعين درجة مئوية صيفا. وتبلغ مساحة كل وحدة سكنية نحو 24 مترا مربعا، ويتسع المخيم في البداية الى نحو51 الف لاجئ، سيقطنون في القرى التي تحمل الأرقام 2 و3 و5 و6، وسيتم توسيع المخيم لاستيعاب 130 ألف لاجئ وفق تطورات الأزمة في سورية. وفيما سجلت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ما يقارب 600 الف لاجئ سوري في الأردن، تقدّر الحكومة أن هناك اكثر من مليون سوري في البلاد، وتعمل 20 منظمة إنسانية يداً بيد مع الحكومة لتوفير الحماية والمساعدة للاجئين في المخيم الجديد. وبالنسبة للجهات الحكومية التي ستعمل في المخيم لمساعدة اللاجئين وتقديم الخدمات لهم، فهي وزارات "الداخلية" و"الأشغال" و"الإسكان" و"الصحة"، ومنظمة كير، ومعونة الكنيسة الفنلندية، والدولية لذوي الاحتياجات الخاصة، والصليب والهلال الأحمر، والهيئة الطبية الدولية، ومنظمة الهجرة الدولية، ولجنة الإنقاذ الدولي. كما يسهم في المعونة كل من المجلس النرويجي للاجئين، والإغاثة الدولية، ومنظمة انقاذ الطفل في الأردن، والوكالة الاتحادية الألمانية للإغاثة الفنية، وصندوق الأممالمتحدة للسكان. وبخصوص نسب عبور اللاجئين اليومية الحالية، فإنها تبلغ نحو 600 لاجئ سوري يومياً، فيما اعتبرت المفوضية أن إنشاء مخيم الأزرق أتى استناداً إلى التجارب المستفادة من مخيم الزعتري. وأوضح مسؤولو المفوضية في جولة استطلاعية للمخيم شاركت بها "الغد" مؤخرا، ان المخيم الجديد سيتبع "نهج تخطيط اجتماعي كأساس للحفاظ على العادات والتقاليد السورية إلى أقصى حد ممكن". وقالوا إن القدرة الاستيعابية لكل منطقة ستصل الى ما بين 10,000 إلى 15,000 شخص، وسيكون لكل منطقة مركز مجتمعي خاص بها، ومركز صحي للخدمات الأولية، وشرطة مجتمعية، ومركز دفاع مدني، ومساحات صديقة للطفل والمرأة، وملاعب رياضية، ومدارس للأطفال، وسيتم توفير مواد الإغاثة الأساسية (بما في ذلك البطانيات والفرشات وأواني الطبخ) قبيل افتتاح المخيم. وأضاف المسؤولون أنه تم الانتهاء من تجهيز المستشفى الثانوي الذي سيبدأ العمل على مراحل لتلبية احتياجات السكان، ويتم حالياً استلام الأثاث المدرسي. كما قالوا إنهم لاحظوا أن غالبية القادمين الجدد من سورية إلى الأردن هم إما من حمص أو ريف دمشق أو دمشق، عن طريق نقطة عبور الحدود الشرقية لرويشد، واشتكوا من عدم توفر الأمان والغذاء في سورية. وتتوفر في المرحلة الأولى، مرافق صحية ل 30 الف شخص، كما تتوفر مدرستان ل 10 آلاف طفل تناسب تجمعا سكانيا يبلغ نحو 40 الف شخص، وهناك ايضا 17 مساحة صديقة للطفولة وللمراهقين، وملعبان إضافة الى ساحتين متعددتي الاستعمال. ويخدم كل ستة بيوت وحدتان صحيتان، واحدة للرجال وأخرى للنساء، بمعدل وحدة صحية لكل 15 شخصا، ولا تبعد نقاط المياه أكثر من 200 متر عن أبعد بيت جاهز. وبالنسبة للأرض التي أنشئ المخيم عليها، فهي تابعة للحكومة، ولا تدفع المفوضية ايجارا لها، وهو ما تتبعه المفوضية في كل اماكن عملها في العالم، بحسب مصدر في المنظمة الأممية. وحول فرق المساحة بين "الزعتري" و"الأزرق"، بالدونمات، قال مدير إدارة مخيمات اللاجئين السوريين العميد وضاح الحمود ل"لغد"، ان "الزعتري" يمتد على 10 دونمات بينما يمتد "الأزرق" على 14 دونما. وفي الجولة، تبين ان المسافات بين القرى الاثنتي عشرة في المخيم، كبيرة جدا، كما الحال بين القرى والمركز الأمني الضخم، وكذلك الأمر بالنسبة لمركز التسوق الذي سيعتمد عليه اللاجئون في احتياجاتهم. وعن هذا الأمر اشار الحمود الى ان منظمات دولية ستعمل على تشغيل حافلات بين الحارات "القرى"، إلى حين تشغيل خطوط، وأن هذا الأمر جار بحثه الآن. من جهته يعتبر هاربر ان فتح مثل هذه المخيمات "قد يجذب اللاجئين من خارج المخيمات للعودة"، بما أن 80 % من اللاجئين السوريين في الأردن هم خارج المخيمات. وفي هذا الصدد، أشار هاربر إلى أن "الزعتري" الذي شهد العديد من حالات مغادرة اللاجئين، يشهد حاليا عودة الكثير منهم "لأنهم لم يتمكنوا من دفع ايجارات البيوت والتكفل بنفقاتهم". كما اعتبر ان افتتاح هذا المخيم هو "مؤشر على التزام الأردن باستقبال اللاجئين السوريين"، بخلاف ما يشاع عن إغلاق الأردن لحدوده امام اللاجئين السوريين. يذكر انه يوجد في الأردن حاليا، مخيم رسمي واحد للاجئين السوريين هو "الزعتري"، واربعة مخيمات اخرى أصغر حجما، هي "حديقة الملك عبدالله" في الرمثا، و"سايبر سيتي" و"منشية عليان" و"الإماراتي الأردني مريجب الفهود". ويبعد مخيم الأزرق 255 كم عن الحدود العراقية مع الأردن، و75 كم عن الحدود مع السعودية، وعن السورية 90 كم. وعن سبب بعد المخيم عن الحدود السورية، قال هاربر، ان "الزعتري قريب جدا من الحدود وهذا يشكل قلقا لنا، فالعام الماضي عندما تم استخدام السلاح الكيماوي قلقنا على اللاجئين نظرا للقرب الجغرافي".الغد الاردنية . 1