تحاول آلة الإعلام الإسرائيلية أن تجعل أي اتفاق للسلام يرفع يد إسرائيل وضغوطها العدوانية عن غزة وعن الفلسطينيين، مسألة صعبة. وتبذل إسرائيل، كعادتها، جهوداً وتختلق أعذاراً وتنشر قصصاً مفبركة في العالم، من أجل أن تتهرب من مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين وتجاه الضمير الإنساني، إذ ليس معقولاً ولم يعد مقبولاً في عالم اليوم أن يبقى مجتمع عريض بأطفاله ونسائه وشبابه ورجاله وشيوخه ومبدعيه تحت رحمة الدبابات الإسرائيلية وجنود مدججين بأسلحة وبأفكار عدوانية خاطئة، ولأجل هدف عدواني بحت يغلف بتبريرات لم تعد صالحة للتداول الفكري لدى أي فكر نير وفهم سليم. في المسألة الفلسطينية، واضح أنه لا يوجد انفتاح فكري في إسرائيل وهي التي تشكو دوماً من الاستهداف العنصري واللاسامية. ولا يوجد في الطرف الإسرائيلي سوى جانب يغرق في التطرف وفي الأساليب الملتوية وبراعة إخفاء الأطماع الحقيقية، فوزراء الحكومة الإسرائيلية بمن فيهم رئيسها ليس لديهم أي مشروع أو أفكار تختلف عما يعتمل في فكر طلاب المدارس الدينية اليهودية المتطرفة. هؤلاء الطلاب يعيشون في عزلة عن العالم ويودون إلزام الضمير الإنساني في القرن الواحد والعشرين بقصص كتبت قبل آلاف السنين، بل إن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزراءه ما يزالون مخلصين لمشروع اجتثاث الفلسطينيين من أرضهم واغتصابها وتعليب الإسرائيليين بين جدران ضخمة سيرصدها التاريخ عاراً على المجتمع الإنساني في هذه الحقبة من الزمن. ولا يوجد لدى إسرائيل أي عذر الآن في رفضها الجهود الدولية والعربية المخلصة للسلام. ولا تفسير للرفض الإسرائيلي لكل المبادرات الدولية سوى أنها كيان يمتهن العدوان ويعيش على ارتكاب الجرائم ويدمن على سفك الدماء، خاصة أن الفلسطينيين قدموا كل ما يمكنهم من تنازلات وتخلوا عن أكثر من نصف أرضهم من أجل السلام. وقدم العرب مبادرة سلام ثمينة ولكن إسرائيل تهربت من هذه الاستحقاقات كي تستمر وتتاجر بقضايا وهمية وتتهم الفلسطينيين أهل الأرض وأصحابها بارتكاب الإرهاب، فيما جنود إسرائيل يحتلون أرضا فلسطينية لم يعرفها آباؤهم ولم تخطر لهم على بال. إنه من المؤسف حينما يأتي شخص ويدعي أن نصوصاً توراتية تعطيه أحقية ملكية قطعة أرض صغيرة في المملكة المتحدة أو الولاياتالمتحدة أو فرنسا أو روسيا، سوف يتهم بالجنون والعدوان والتهور ويزج به في السجون المظلمة أو ينفى من الأرض، بينما مجلس الأمن بكل طواقمه وهيئاته ودوله وزعمائه لا يجد بأسا في احتلال إسرائيل لأراض يملكها الفلسطينيون ويرثونها من عشرات الأجداد المتصلين، ليس ذلك فحسب، بل إن مجلس الأمن الدولي والدول التي تدعي حماية حقوق الإنسان تشجع احتلال إسرائيل لفلسطين وجبالها وحقولها ومدنها وقراها، بل لم يحركوا ساكناً حينما تشوي إسرائيل بحممها أصحاب الأرض وأهل الحقوق ولا تفرق بين طفل وامرأة وشيخ وعابر سبيل. ولا يغضب مجلس الأمن وطواقمه حينما تفتعل إسرائيل الحوادث كي تهاجم صواريخها وطائراتها ومدافعها المنازل والمدارس والناس الآمنة وتستبيح غزة وكل مكان من فلسطين.