"المسحراتي" صاحب الطبلة الشهيرة، يعتبر من العادات الحجازية العتيقة، وبخاصة في جدة، التي تمثل أحد ركائز السمة الرمضانية في المنطقة عموماً، وجدة تحديداً، وهو الرجل الذي يطوف ليلاً بالبيوت ليوقظ أهلها لتناول وجبة السحور قبيل أذان الفجر في ليالي شهر رمضان. مهرجان "رمضانا كده" المقام في محيط المنطقة التاريخية بجدة، أعاد ذاكرة زواره لعقود طويلة، عبر استحضار الشخصية المميزة في الشهر الكريم، في محاولة من الجهة المنظمة (محافظة جدة)، لإحياء مسار هذه الثقافة الجداوية بين الجيل الجديد من الشباب، الذين ربما ارتبطت في ذاكرتهم شخصية المسحراتي بالقصص التي يرويها الآباء للأبناء، إلا أنهم لم يعلموا بتفاصيل هذه الشخصية، التي كان لها دور مهم في حواري جدة إبان فترة ما قبل هدم السور منذ أكثر من 67 عاماً، وتحديداً في عام 1947، وفي الفترة التي شهدت تمدد في التوسع العمراني في عروس البحر الأحمر. أحد مسؤولي المهرجان من محافظة جدة، يشير إلى أن استعراض شخصية المسحراتي بين مسارات المنطقة التاريخية، حمل طابعاً إيجابياً ومميزاً لدى جميع شرائح المجتمع التي ذهلت من هذه الشخصية، والأهازيج التي يطلقها لإيقاظ الناس قبل موعد السحور بساعتين تقريباً. محافظة جدة التي لعبت دوراً مهماً في الاهتمام بالمنطقة التاريخية استحضرت الشخصية المحببة "المسحراتي"، مع طبلته المميزة، التي تعرف محلياً ب "البازة"، وهي طبلة من جنس النقارات ذات وجه واحد من الجلد مثبتة بمسامير وظهرها أجوف من النحاس وفيها مكان يمكن أن تعلق منه، وقد تسمى طبلة المسحر، التي يمسكها بيده اليسرى، وبيده اليمنى سير من الجلد أو خشبة يُطبل بها وهو يردد لونا من التراث، مثل "قم يا نائم وحد الدائم" و"السحور يا عباد الله". ويقتصر عمله في ليالي رمضان فقط، أي أنها المهنة الوحيدة التي يعمل صاحبها شهراً واحداً في السنة. وأشار عدد من مسؤولي المهرجان إلى أنه يأتي في سياق دعم المنطقة التاريخية بجدة، وبخاصة بعد تسجيلها في لجنة التراث العالمي الإنساني باليونسكو في العشرين من يونيو الماضي، وقالوا إن محافظ جدة صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد، لعب دوراً مهماً بالتعاون مع الجهات المعنية في دعم الحالة الثقافية والتاريخية للمنطقة. وتشير المعلومات التاريخية إلى أن لكل حي من أحياء "جدة القديمة"، مسحراً رمضانياً أو أكثر حسب مساحة الحي وعدد سكانه، وقد ارتبطت أجرة المسحراتي ببعض التغييرات على مر العقود، ففي منتصف القرن التاسع عشر كانت الأجرة مرتبطة بالطبقة التي ينتمي إليها المتسحر، فمنزل الشخص من الطبقة المتوسطة على سبيل المثال عادة ما يعطى المسحراتي قرشين أو ثلاثة أو أربعة قروش في ليلة العيد، ويعطيه البعض الآخر مبلغاً زهيداً كل ليلة، ولم يكن للمسحراتي أجر معلوم أو ثابت، غير أنه يأخذ ما يجود به الناس صباح يوم العيد، وعادة ما كان الأجر يؤخذ بالحبوب، فيأخذ قدحاً أو نصف كيلة من الحبوب سواء كانت ذرة أو قمحاً ولم يكن أجراً بالمعنى المفهوم ولكنه هبة يجود بها كل حسب قدرته.