بين ارتفاع المظلات وهبوطها، وهطول الأمطار وشروق الشمس، وكمّ من التقلبات في الأنواء والمناخات، تمضي أيام مهرجان "كان" السينمائي، في دورته السابعة والستين، وسط احتفاء شديد بالمخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو، الذي بهر العالم بعطاءاته السينمائية، وعبرت أفلامه عن الهمّ الأفريقي وطرحت قضايا اقتربت كثيراً من الواقع، وحملت في ثناياها صراع السياسة والحياة. وبأسلوبه الخاص المستمد من طبيعة البيئة التي يصوّرها، نجح في أن يثير دهشة النقاد والصحفيين بفيلمه "تمبوكتو"، المشارك في المسابقة الرسمية، والذي رشحته التوقعات للمنافسة على السعفة الذهبية بقوة. وفي حوار خصّ به "الوطن" فتح سيساكو أوراقه وقلبه، وكان اللقاء كما يلي: حول ما تردّد عن أسباب اختيار مهرجان كان ليدخل فيلم "تمبوكتو" المسابقة الرسمية، علّق سيساكو قائلاً: لا توجد أي أسباب سياسية لاختيار الفيلم للعرض في المسابقة الرسمية، وأستطيع أن أجزم إلى أن هناك توجهاً حقيقياً من أجل تقديم الوجه الحقيقي للدين الإسلامي الحنيف، والقبول بالآخر، وهذا ما حاولتُ التعبير عنه، وأتمنى أن أكون نجحت في ذلك. وأضاف: "إن هناك ظروفاً صعبة مرت بفترة تصوير الفيلم، وتزامنت مع الحملة الدولية لمطاردة المتشددين الإسلاميين في مالي، على وجه الخصوص، حيث تم تصوير أحداث الفيلم الذي تطلّب قرابة أربعة أعوام من الإعداد والتحضير والإنتاج، ويكفي أن أشير إلى أن الفترة الأولى للتصوير أحيطت بالسرية التامة". وحول واقع السينما في موريتانيا، قال سيساكو: "إن السينما في العالم العربي والدول الأفريقية، في وجه عام، تمرّ بظروف إنتاجية غاية في الصعوبة، ويجب ضرورة السعي إلى إنتاج سينمائي مشترك مع عدد من القطاعات الإنتاجية الأوروبية، والفرنسية على وجه الخصوص، وإن كنت أميل إلى معرفة ما تقدّمه صناديق دعم الأفلام في المهرجانات الخليجية، والتي سمعت أنها لعبت دوراً مهماً خلال السنوات الأخيرة في خلق حراك للسينما العربية، بعد أن كانت تعاني من مشاكل التمويل". وأكد سيساكو: "أن الوضعية العبثية التي يعيشها الناس في باماكو، زرعت الخوف في نفوس كل السكان المجاورين، وأصبحت بذالك تشكل خطراً على السلم في العالم، كما أنها تمسّ بالدين الإسلامي الذي هو دين يدعو إلى المحبة والتسامح والسلام، وهي خاصية تتميز بها كل الديانات الأخرى، وأرى أن المسّ بما هو جوهري في هذا الدين الحنيف، يفرض علينا أن نقاوم حتى لا نقع في فخّ التطرّف، وما يؤلمني اليوم هو أن الناس تهتم بهواتفها الذكية أكثر مما تهتم بقتل الناس الأبرياء. قيل له إن بعض النقاد حيا سحرك في اللغة المجازية، ولغة الصحراء بين الشاي والغزال، والأهم أنهم أشادوا كثيراً بالصورة السينمائية، فقاطع سيساكو قائلاً: هذه الصورة الرفيعة والمستوى الرائع الذي ظهرت به يقف وراءها التونسي سفيان الفاني، الذي قام بالمهمة نفسها في فيلم "حياة أديل" لعبداللطيف كشيش، الحائز على السعفة الذهبية في العام الماضي، ورغم أنني أعرف أن الفوز بسعفة مهرجان كان السينمائي أمر صعب، لكنني بالفعل أتمناه. وعن حرصه على استخدام وجوهٍ من الحياة لم يمثلوا من قبل، قال سيساكو: إن الارتجال جوهر العمل في السينما، وامتلاك القدرة على التعبير عن حقيقة اللحظة التي يجسدها المشهد، والواقع أغنى بكثير من الخيال في معظم الأحيان، وأرى أن الارتجال قد يكون من جانب المخرج أو المنتج أو الممثل، حيث يذهب بعض الفنانين الذين يمتلكون الموهبة في أدائهم إلى أبعد مما يتوقّع المخرج، والسينما مشوار طويل يتعلم الفنان شيئاً جديداً في كل خطوة فيه.