كنت وصاحبي جلوساً أمام إطلالة جميلة على أحد معالم دبي نحتسي الشاي مع أطراف الحديث الشجي، وبينما نحن كذلك إذ قال أحدهم للآخر ناصحاً بطريقته اللبقة المعهودة: "لا تنسى.. أشرب بيمينك". وكان هذا الآخر يشرب الشاي بيساره. فقلت له "أحاديث الآداب للاستحباب". وكان الناصح طالبا شرعيا في الدراسات العليا بجامعة الإمام وإماماً وخطيباً وحافظاً أيضاً. فقال الحافظ: ليس كذلك يا صديقي. الجميل في صديقنا هذا أنه كان دوماً متواضعاً للمعرفة نهماً في الاطلاع، فما كان منه إلا أن بادر بالاتصال على فضيلة الشيخ "جوجل" مستأذناً سعادته بالدخول على المواقع الإسلامية الموثوقة باحثاً عن الأقوال في هذه القضية. وما هي إلا لحظات حتى تلا علينا ما تيسر له من أقوال أهل العلم في مسألة الشرب باليمين ليجد أن الجمهور يرون ذلك للاستحباب وليس للوجوب. فقال: الحمد لله الذي رزقني معرفة هذه الجزئية المهمة (وفي دبي). فقلت يا صديقي: العلم كالرزق لا تدري في أي أرض تكسبه. قد يجهل أحدنا الجزئية المعينة وهو في صروح المعارف، - ثانياً الركب للعلم- ثم يتفتق ذهنه لهذه المعرفة في واد غير ذي زرع. لكن ما معنى "أحاديث الآداب للاستحباب"؟ كما نعلم فإن هناك أموراً دينية وأموراً دنيوية ويطلق عليها العبادات والعادات (وتسمى في كتب السلف الآداب). فما كان في إطار الدين فهو محل توقف، أي لا يجوز عمله إلا بدليل. وما كان في إطار أمور الدنيا فالأصل فيه الإباحة إلا بدليل يصرفه للتحريم. يدخل في هذا القسم الأخير مسائل الآداب كاللبس والأكل والشرب والدخول والخروج والنوم وغيرها من الآداب. وما جاء عن الشرع في مسائل الآداب من ندب فهو للاستحباب وما جاء نهي فهو للكراهة. لا شك أن اتباع السنة المطهرة أفضل وأجمل، بيد أن هذا لا يعني الإنكار على المخالف أو التشدد فيها لتصل إلى درجة الواجبات أو المحرمات. وقد سمعت شيخنا ابن عثيمين يقول "يكفي أن تعمل السنة ولو لمرة واحدة"، أو بمعنى كلامه، رحمه الله. وقد يسيء للسنة وصاحبها عليه الصلاة والسلام، بعض أتباعها بداعي الجهل المقيت والتشدد. فقد رأيت شخصاً في دولة عربية يُقرّع آخر على باب المسجد للتو خارجين من صلاة الفريضة يقول له: "الخروج من المسجد بالرجل اليسار ولبس الحذاء باليمين"، كم مرة قلت لك لا تفعل كما يفعل الكفار؟ ولا أعلم كيف يصلي الكفار الفريضة ثم يخرجون بالرجل اليسار؟ وفي مسجد حينا رجل غربي اهتدى للإسلام منذ فترة لكنه متأثر بإحدى الجاليات المتشددة ويقرأ كثيراً في كتب الدين، بيد أنه وكما قيل: "من كان معلمه كتابه، كان خطؤه أكثر من صوابه". حيث أصبح نقمة على الإمام وعلى رواد المسجد حتى إن بعضهم يتجنب الصلاة في مسجدنا خشية الاحتكاك به. فقد قام بدفع الإمام المسن الحافظ ولم يحترم شيبته ومرضه بالقلب. وتهجم وضرب أكثر من مصل، وقام المرة الأخيرة بوكز الإمام وكزة كادت أن توقعه أرضاً وذلك قبيل تكبيرة الإحرام لخلافهما على جواز صلاة طفل خلف الإمام. وقطع سبحة أحد المصلين اعتراضاً على جوازها. وأخيراً وليس آخراً، قام بالبصق في وجه الإمام لاعتراضه على إدخال حذائه المسجد ووضعه أمام المصلين في الصف الأول. رغم هذا كله فهو يصلي خلف الإمام مباشرة كل الصلوات دون أن يتخلف فريضة واحدة. كل الخطوات اتخذت لنصحه فضلا عن التعهدات من الجهات المسؤولة دون فائدة.